هذا تأويلاً حسناً، لا نرى العدول عنه، لئلا نفتقر ان نعدل بالحلف بالله شيئاً. واليمين الآثمة موجبة لسخط الله ونكاله على أية صيغة كانت.
[2750] ومنه حديث عائشة- رضي الله عنه- ترفعه يعني: إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة .. الحديث). ذهب بعض أهل العلم إلى أن لا اختصاص للخيانة في هذا الحديث بأمانات الناس دون ما ائتمن الله عليه عبادة من أحكام الدين قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم}. وهذا القول وإن كان حسناً من طريق الاستنباط، مستقيماً من حيث التقرير المعنوي، فإن حمله في هذا الحديث على أمانات الناس أوجه؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي يتلوه من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: (ولا تجوز شهادة خائن ولا خائنة، ولا زان ولا زانية) ولو كان الأمر على ما قدره لاستغنى بذكر الخيانة عن ذكر الزنا، فعلمنا أنه أراد بالخائن: الخائن الذي يخون في أمانات الناس، وعلى هذا وجدنا استعمال هذا اللفظ في الأكثر والأغلب من اللغة العربية، والخيانة- إن كانت من جملة الخفيات التي لا يطلع على حقيقتها إلا عالم الأسرار- فإنها تعرف بالدلالات والأمارات، وأراد بالخائن: الذي لا يكاد يخفي أمره على ذوي المعرفة به، لاشتهاره بالخيانة، وظهور ذلك عنه كرة بعد أخرى.
وفيه: (ولا مجلود حدا) الأقرب أن يكون المجلود هذا الذي جلد في القذف، على ما ورد به التنزيل وإن ذهب ذاهب إلى أن المراد منه الفاسق الذي عرف بالفسق وتبين منه ذلك، بما أقيم عليه من الحد، ولم ير منه فيئة، ولم يعلم له توبة، فله محمل، والوجه هو الأول.
وفيه: (ولا ظنين في ولاء ولا قرابة) قيل: إن الظنين في الولاء هو الذي ينتمي إلى غير مواليه، وعلى هذا، فالظنين في القرابة هو الذي ينتسب إلى غير أبيه، أو إلى غير دويه، والظنين بالظاء- هو المتهم، ولعل العلة في رد شهادتهما التباسهما بما يقبح في الأحدوثة، وانتهاجهما، في ذلك منهجاً لا يرضى به ذو دين ولا مروءة، وذلك إذا كانا مؤثرين للانتماء قصداً منهما، وكل ذلك من نواقض العدالة.