على الموت، فرأى ذلك بمنزلة إقامة الحد عليه في أسباب التلف فأفتاه بذلك تسكينا لما به إلى أن يبرأ. وقد ذكر في بعض طرق هذا الحديث من سوء حال الرجل وتحسره على ما فرط في جنب الله ما يُقوى المعنى الذي أردناه وهو أن أبا أمامة بن سهل بن حنيف روى عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأنصار أنه اشتكى رجل منهم حتى أضنى فعاد جلدَه على عظمه، فدخلت عليه جارية لبعضهم فهش لها فوقع عليها، فلما دخل عليه رجال قومه يعودونه أخبرهم بذلك وقال: استفتوا لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنى قد وقعت على جارية دخلت على، فذكروا ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقالوا: ما رأينا بأحد من الناس من الضرّ مثل الذي هو به، لو حملناه إليك لتفسخت عظامه، ما هُو إلا جلد على عظم ... الحديث".
[2602] ومنه حديث عائشة - رضي الله عنها - (فلمّا نزل أمر بالرجلين والمرأة فضربوا الحد) الرجلان حسّان بن ثابت ومسطح بن أثاثة، والمرأة حمنة بنت جحش - عفا الله عنهم - وكانوا قد خاضوا في حديث الإفك.
ومن باب قطع السرقة
(من الصحاح)
[2604] (حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قطع النبي - صلى الله عليه وسلم - يد سارق في مجنَّ ثمنه ثلاثة دراهم) وجه هذا الحديث عند من لا يرى من العلماء قطع يد السارق في أقل من عشرة دراهم: أن التقويم لعلّه كان من ابن عمر رأيا واجتهادًا على ما تبين له، لأنا وجدنا القول في قيمة المجن مختلفا عن جمع من الصحابة فروى عن ابن عباس أن قيمته كانت عشرة دراهم. وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مثله. وكذلك روى عن أم أيمن واسمها بركة [91/أ] مولاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحاضنتُه. وقد رُوى عن ابنها أيضا أيمن بن عبيد الله الحبشي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أدنى ما يقطع فيه السارق ثمن المجن) وكان يقوم يومئذ دينارًا. فلما وجد هذا الاختلاف وكان الأخذ بحديث من روى أن قيمة المجن المقطوع فيه كانت عشرة دراهم داخلاً فيما أجمع المسلمون عليه والأخذ بما دونه خارجا عن الإجماع، رأوا الأخذ بالأمر المجمع عليه أحق وأولى لاسيما في الحدود، فإن الشارع - صلى الله عليه وسلم - أمرنا أن نسلك فيها السبيل السالم عن اعتراض الشبه.