وقوله: (لا يفتك مؤمن) خبر معناه النهي. أي: لا يفعل ذلك؛ لأنه محرَّم عليه وهو ممنوع عنه لما يتضمنه من الغدر والمكر والخديعة. ويجوز فيه الجزم على النهي. ومن الناس من يتوهم أنه على بناء المفعول فيرويه كذلك، وليس بقويم رواية ومعنى. فإن قيل: قد بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محمد بن مسلمة الخزرجي في نفر من الخزرج إلى كعب بن الأشراف ففتكوا به، وكذلك بعث عبدالله بن عتيك الأوسي في نفر منهم إلى أبى رافع بن أبي الحقيق، وبعث عبد الله بن أنيس الجهني ثم الأنصاري إلى سفيان بن خالد بن "بيج" فكيف التوفيق بين هذا الحديث وبين تلك القضايا التي أمر بها.
قلنا: يحتمل أن النهي عن الفتك كان بعدها وهو الأظهر؛ لأن أولاها [89/أ] كانت في السنة الثالثة، والثانية كان في السنة الرابعة، والثالثة كانت بعد الخندق في السنة الخامسة. وإسلام أبي هريرة كان عام خيبر في السنة السابعة فثبت بذلك تأخر الحديث عن تلك القضايا. ويحتمل أن يكون ذلك خصيصي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أُيّد به من العصمة. ويحتمل أن تلك القضايا كانت بأمر سماوي لما ظهر من المفتوكين من الغدر برسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتعرض له بما لا يجوز ذكره من القول والمبالغة في الأذية والتحريش عليه.