وفيه (لا يرجعون حتى يرتد السهم إلى فوقه) أي: لا يرجعون إلى الدين حتى يرتد السهم إلى فوقه والفوق: موضع الوتر من السهم، وذلك مما لا يكون. أي لا يُراجعون الدين حتى يكون ما لا يكون، وذلك مثل قوله تعالى {ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط}.
وفيه (هم شر الخلق والخليقة) الخليقة: جمع الخلائق يقال: هم خليقة الله، وهم خلق الله أيضًا. وهو في الأصل مصدر، وإنما جاء باللفظين تأكيدا للمعنى الذي أراده، وهو استيعاب أصناف الخلق [88/أ] ويحتمل أنه أراد بالخليقة من خُلق، والخلق: من سيخلق.
وفيه (ما سيماهم) أي ما علامتهم وشعارهم؟ فقال: (التحليق) أتى بهذا البناء إما لتعريف مبالغتهم في الحلق أو لإكثارهم منه، وقد حدث به تنبيها على أمارتهم، وتوفيقًا على شعارهم الظاهر، وليس في ذلك ما يدل على الوضع ممن يتخذ الحلق دأبا، فقد وصفهم بكثرة الصلاة والصيام، كما وصفهم بالتحليق. والشيء إذا كان محمودًا في نفسه لا يصير مذموماً باستنان من يتنّ به من أهل الزيغ في حق العموم، وإنما يذم بالنسبة إليهم لعوج قصدهم وفساد نيتهم. والحلق من جملة شعائر الله وأنساكه وسمت عباده الصالحين.
[2573] ومنه حديث أبي الدرداء - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (من أخذ أرضا بجزيتها فقد استقال هجرته) الجزية: ما يؤخذ من أهل الذمة من رءوسهم سمَّيت بذلك؛ لأنها طائفة مما عليهم أن يجزوه أي يقضوه، من جزى يجزي، أو لأنهم يجزُون بها من مّن عليهم بالإعفاء عن القتل من قولهم: جزيته بما صنع جزاء. وقيل: تسميتها بذلك للإجزاء به في حقن دمه وفيه نظر؛ لأن الجزية من باب الياء".