ونظيره: زمن وزمان، وأما إضافة: (جعل مكة حرما) إلى إبراهيم عليه السلام - وقد قال الله تعالى: {أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا}: فهي من باب إضافة الشيء إلى سببه؛ وذلك لأن خليل الله هو الذي سأل الله ذلك؛ كما في قوله تعالى: (وإذ قال إبراهيم رب أجعل هذا البلد آمنا) أو لأنه بين للناس ذلك، أو لأنه هو الذي ميز حدود الحرم بالعلامات فنصب الأعلام عليها من الجهات، وقد ورد عن ابن عباس رضى الله عنه (أن إبراهيم نصب أنصاب الحرم يريه جبريل، عليهما السلام).

وذهب كثير من العلماء: أنه أراد بذلك تحريم التعظيم دون ما عداه من الأحكام المتعلقة بالحرم.

وقد أشرنا فيما تقدم إلى أن التحريم الذي ذكر في المدينة ليس من سائر الوجوه؛ بل من وجه دون وجه، وفي بعض دون بعض، ومن الدليل عليه قوله في هذا الحديث: (لا يخبط شجرها إلا لعلف)، وأشجار حرم مكة لا يجوز خبطها بحال؛ وهذا من جملة الفرق بين التحريمين.

فإن قيل: وفي هذا الحديث: (لا ينفر صيدها) وفي حديث جابر: (ولا يصاد صيدها)؟

قلنا: السبيل أن يحمل النهي على ما قاله مالك وغيره من العلماء: أنه أحب أن يكون المدينة مأهولة مستأنسا فإن صيدها وإن رأي تحريمه نفر يسير من الصحابة - فإن الجمهور منهم لم ينكروا اصطياد الطيور بالمدينة، ولم يبلغنا عن أحد من الصحابة: أنه رأي الجزاء في صيد المدينة، ولم يذهب - أيضا - إلى ذلك أحد من فقهاء الأمصار الذين يدور عليهم علم الفتوى في بلاد الإسلام.

وفيه: (وإني حرمت المدينة حراما ما بين مأزميها):

حراما: نصب على المصدر، والتقدير: أني حرمت المدينة، فحرمت حراما، ومثله قوله سبحانه: {والله أنبتكم من الأرض نباتا} و (ما بين مأوميها): يكون بدلا عنها.

ويحتمل أن يكون (حراما) مفعول فعل محذوف، تقديره: وجعلت حراما ما بين مأزوميها، و (ما بين مأزميها) مفعولا ثانيا.

والمأزم: كل طريق بين جبلين، ومنه يقال للموضوع الذي بين عرفة والمشعر الحرام: المأزمان؛ وفي حديث أبي هريرة رضى الله عنه: (وجعل - يعني: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أثني عشر ميلا حول المدينة حمي).

وقوله: (حمى): يؤيد ما قررنا) من قول العلماء في تحريم صيدها، وقطع شجرها؛ لأن ما كان على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015