[1921] ومنه: حديث سعد بن [أبي] وقاص - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إني أحرم ماب ين لابتي المدينة: أن يقطع عضاهها ..... الحديث):
اللوبة والسلابة: الحرة، و (لابتي المدينة): حرتان تكتنفانها، والعضاه: كل شجر يعظم وله شوك، واحد عضاهة. وعضهة بحذف الهاء الأصلية، كما تحذف من الشفة، سئل مالك رحمة الله - عن النهي الذي ورد في قطع سدر المدينة؟ وقال: إنما نهي عنها؛ لئلا تتوحش ويبقى بها شجرها، فيستأنس بذلك من هاجر إليها، ويستظل بها.
فإن قيل: كان سعد وزيد بن ثابت يريان في ذلك الجزاء. قلنا: الوجه فيه أنه نسخ، فلم يشعرا به، وقد كان عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - يرى التطبيق في الصلاة حيث خفي عليه نس ذلك، وإنما ذهب إلى النسخ من ذهب للأحاديث التي تدل على خلاف ذلك؛ ولهذا لم يأخذ بحديثهما أحد من فقهاء الأمصار.
وقد بسطنا القول في بيان تلك الأحاديث في (كتبا المناسك) في بيان فضل مكة على سائر البقاع، فن أحب الوقوف عليه، فليراجع ذلك.
[1922] ومنه: قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - (ولا يثبت أحد على لاوائها وجهدها إلا كنت له شفيعا أو شهيدا).
اللأواء: الشدة، واللأي: الشدة في العيش [49/ب] والجهد، بفتح الجيم: المشقة، وقد ورد اللأواء في كلاهم بمعني القحط، وعليه يفسر الحديث؛ لما في أكثر الروايات: (على لأوائها وشدتها).
والتعاقب في هذين اللفظين يدل على اختلاف في المراد، فيحمل اللأواء على ضيق المعيشة، والجهد على ما يصيبهم من الحر والجوع، وعلى ما يصيب المهاجرين فيها من وحشة والغربة وغير ذلك.
وأما قوله: (كنت له شفيعا أو شهيدا): فالقول الأقوم فيه: أن يقال: (أو) للتقسيم لا على الشك من بعض الرواة؛ لأن هذا الحديث روى عن سعد، وابن عمر، وأبي أيوب، وزيد بن ثابت، وأبي هريرة، وأبي سعيد، وسفيان بن أبي زهير الشنوى، وسبيعة بنت الحارث الأسلمية، رضي الله عنهم، وأكثر