ودرته للغفلات، قلما يخلص له عمل من شائبة رياء أو شهوة خفية أو فساد نية، أو قصد غير صالح، ثم إن سلم له العمل من ذلك فلا يسلم إلا برحمة من الله، فإن أرجى عمل من أعماله لا يفي بشكر أدنى نعمة من نعم ربه، فأنى له أن يستظهر بعمل لم يهتد إليه [...] إلا برحمة من الله وفضل.
وفيه (إلا أن يتغمدنى برحمة منه): أي يستر [عوراتي. ولعلها] من قولهم: غمدت السيف. أي جعلته في غمده، وهو غلافه، وتغمده برحمته أي غمده بها (2/ أجـ 2) وتغمدت فلاناً أي سترت ما كان منه وغطيته.
وفيه: (فسدوا وقاربوا): سدد الرجل: إذا صار ذا سداد، وسدد في رميته إذا بالغ في تصويبها وإصابتها. وقارب الإبل: أي جمعها حتى لا تتبدد. ويقال: قارب فلان فلاناً: إذا كلمه بكلام حسن، والمقاربة أيضاً القصد في الأمور التي لا غلو فيها، ولا تقصير. والمراد منه طلب الإصابة فيما يتوجه به إلى الله، والأخذ بما لا إفراط فيه ولا تفريط. ويدل عليه ما بعده أي خذوا في طريق المعاملة مأخذ الخبير بقطع المسافة، فيغدو في طاعة الله، ثم يوفى نفسه حقها، ثم يروح ثم يستريح، ثم يستعين بسير بعض الليل. والدلجة: سير الليل، وهو الدرج أيضاً. قوله: (وشيء من الدلجة) مجرور بالعطف على قوله: (واستعينوا بالغدوة والروحة)
وفيه (القصد القصد) أي الزموا القصد أو التمسوه، ويأول على معنيين أحدهما: الاستقامة فإن القصد هو استقامة الطريق. والآخر: الأخذ بالأمر الذي لا غلو فيه ولا تقصير، فإن القصد يستعمل فيما بين الإسراف والتقتير، وقد مر بيان هذا الحديث فيما قبل.
[1636] ومنه حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إذا أسلم العبد فحسن إسلامه يكفر الله عنه كل سيئة كان زلفها ..) الحديث. زلفها: أي قدمها، قال أبو عبيد: الزلف التقدم، يقال: تزلف وازدلف: إذا تقدم.