[1554] ومنه: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ثلاث دعوات مستجابات، لا تشكو فيهن) قلت: كل ما أخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه بريء من الشك مبني على اليقين، وإنما قال ذلك على وجه التأكيد ليفيد معنى قوله (لا تشكو فيهن) ثم ليعلم أن الأمر في الإجابة على ما ذكرنا من التقييد بالشروط، والارتهان بالخصوص، واختصاص هؤلاء الثلاثة بإجابة الدعوة لانقطاعهم إلى الله بصدق الطلب، ورقة القلب، وانكسار البال، ورثاثة الحال؛ أما المسافر فلأنه منتقل عن الموطن المألوف، ومفارق عمن كان يستأنس به، مستشعر في سفرته من طوارق الحدثان، فلا يخلو ساعتئذ عن الرقة والرجوع إلى الله بالباطن. وأما المظلوم فإنه متقلب إلى ربه على صفة الاضطرار. وأما الوالد فإنه يدعو لولده على نعت الخير والرقة، وإيثار الولد على نفسه بما يستطيع، فيخلص في دعائه مبلغ جهده.
ومن باب ذكر الله تعالى
(من الصحاح)
[1556] حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (سبق المفردون ...) الحديث يروى المفردون بتشديد الراء وكسرها، وبالفتح والتخفيف فيها، واللفظان وإن اختلفا في الصيغة فإن كل واحد منهما في المعنى قريب من الآخر، إذ المراد منه: المستخلصون لعبادة الله يتخلون (184/ب) بذكره عن الناس، المعتزلون فيه، المتبتلون إليه، الذين وضع الذكر عنهم الأوزار، فهجروا الخلان، وتركوا الأسباب، فأفردوا أنفسهم لله عن العلائق، وأفردوا عن الأقران، ورقوا عن إيثار اللذات واتباع الشهوات؛ إذ لا يصح لعبد أن يهتدي إلى معالم التوحيد، ويأوي إلى كنف الفردانية، إلا بصحة الانقطاع إلى الله، وهو مقام التفريد.
وبصحة ما وقعت الإشارة إليه يشهد التنزيل، قال - سبحانه وتعالى - {واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا} نبه بالآية على أن الذكر الدائم إنما يتهيؤ بحسن التبتل إلى الله، وتبتيل النفس عما سواه، وذلك هو الذي ذهبنا إليه في معنى (المفردون) و (المفردون).