السلام - إلى مثلها من العام المقبل وإنما جاء القدر بتسكين الدال وإن كان الشائع في القدر الذي هو قرينة القضاء بفتح الدال ليعلم أنه لم يرد به ذلك فإن القضاء سبق الزمان وإنما أريد به تفصيل ما قد جرى به القضاء وتبيينه وتحديده في المدة التي بعدها إلى مثلها من القابل ليحصل ما يلقى إليهم مقدرًا بمقدار يحصره علمهم فسكن منه الدال للامتياز بين الأمرين وقيل: سميت بها لخطرها وشرفها على سائر الليالي
وفيه: (أرى رؤياكم قد تواطت) المواطأة الموافقة وأصله أن يطأ الرجل برجله موطأ صاحبه وقد رواه بعضهم بالهمز وهو الأصل وجاء في عامة نسخ الجامعين الصحيحين وغيرهما بغير همز فلعلَّ بعضهم لم يكتب الهمزة ألفًا فترك بعضهم همزها فأقرّت على ذلك.
وفيه (فمن كان متحريها) تحرّى الشيء: إذا قصد حراه أي جانبه قال الله تعالى: {تحروا رشدا} أي توخوا وعمدوا. والتحري بالياء [بالياء] من طلب ما هو أحرى بالاستعمال. والمعنى: من كان يتوخى تلك الليلة فليتوخها في السبع الأواخر ويكون معناه: فمن كان يريد طلبها في أحرى الأوقات بالطلب فليستعد له في السبع الأواخر والسبع الأواخر يحتمل أنه أراد بها السبع التي تلى آخر الشهر، ويحتمل أنه أراد به السبع الأول بعد العشرين؛ لأن السبع إنما يذكر في ليالي الشهر في أول العدد [166/ ب]، ثم في سبعة عشر، ثم في سبع وعشرين. وحمله على السبع التي بعد العشرين أمثل لتناوله إحدى وعشرين وثلاث وعشرين، ووله: (فليتحرها في السبع الأواخر)، أخص من قوله (فالتموها في العشر الأواخر) وتنافى بين القولين.
قلت: وكل ما ورد في هذا الباب من الأحاديث فإن بعضها يعاضد بعضا على أنها إحدى ليالي أوتار العشر الأواخر ثم إن الروايات قد اختلفت في تفسير ذلك الوقت اختلافاً لا يرتفع معه الخفاء إذ لم يثبت فيما يَقُول عليه من النقل عن أحد من الصحابة أنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحدث بميقاتها مجزومًا به وإنما ذهب كل واحد إلى ما ذهب مما تبيّن له من معاريض الكلام التي سمعها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والفهم يبلغ تارةٌ ويقصرُ أخرى والمجتهد يصيب ويخطئ. اللهم إلا أن يكون في الرواة من أخبره الرسول - صلى الله عليه وسلم - بميقاتها، ولم ير أن يزيل عنه الخفاء ولم يؤذن له فعلى هذا تنوع اختيار كل فريق من أهل العلم والذاهبون إلى سبع وعشرين هم الأكثرون ولا تناقض بين تلك الروايات على هذا التقدير ويحتمل أن فريقًا منهم عَلِم بالتوقيف ولم يؤذن له بالكشف عنه، لما كان في حكمة الله البالغة في تعميتها على العموم ونرى أولى الروايات بذلك رواية أبي بن كعب فإنه حلف ولم يستئن والآخرون حدّثوا بما وقع لهم من الفهوم. فإن قيل: كيف يصح فيه التوقيف وقد نال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أريت هذه الليلة ثم أنيتها)؟
قلنا: يحتمل أنه أنسيها في عامة ذلك ثم كوشف بها بعد فأخبر بها. فإن قيل: رأى كثير من أهل