[1325] ومنه حديث ابن عباس- رضي الله عنهما- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ألا أخبركم بخير الناس) ... الحديث. يحمل قوله على أن قال أنه خير الناس، أراد" أنه من خير الناس، إذ قد علمنا أن في القاعدين من هو خير من هذا الذي أمسك بعنان فرسه، إذ كان أعلم بالله وأخشي لله ولم يكن الجهاد عليه فرض عين.

وقد يقول القائل: خير الأشياء كذا، لا يريد تفضيله في نفسه [155/أ] على جميع الأشياء، بل يريد أنه خيرها في حال دون حال ولو أحد دون آخر، مثل قوله - صلى الله عليه وسلم -: (خياركم خيركم لأهله) فلا يصح أن يحمل ذلك على أن من أحسن معالجة أهله فهو أفضل الناس، وقد علمنا أن من كان أعلم بالله وأزهد في الدنيا وأرغب في الآخرة منه فهو خير منه، وأنه لم يبلغ في حسن المعاشرة محله، وعلى نحو هذا المعني يأول قول من قال: شراركم عزابكم، أي: من شراركم؛ لأنه وإن كان صالحا فهو بمرقبة الفتنة غير آمن من شر نفسه من قبل العزوبة، وقد علمنا أن الآهل الفاسق أقرب إلى الشر منه، وكذلك قوله: (ألا أخبركم بشر الناس؟ يسأل بالله العظيم ولا يعطى به) أي بمن هو من شر الناس؛ لأن تلك الخصلة قد توجد في بعض المسلمين، والكافر شر منه، وقوله: (يسأل) على بناء ما لم يسم فاعله ولا يعطى على بناء الفاعل.

[1326] ومنه حديث أم نجيد النصارية الحارثية- رضي الله عنها- عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ردوا السائل ولو بظلف محرق) هذا القول إنما قصد به المبالغة في رد السائل بأدنى ما يتيسر، ولم يرد به صدور هذا الفعل من المسئول فإن الظلف المحرق غير منتفع به وقد مر بيانه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015