هذا المعنى أشار أبي بن كعب- رضي الله عنه- في قوله: (ففضت عرقا وكأني أنظر إلى الله فرقاً). وأراد بقوله (فإن لم تكن تراه) أن العبرة في تعظيم من عظمته وتأديب بين يديه برؤيته إياك وإطلاعه عليك لا برؤيتك إياه فاعبده على يقين من هذه الحالة (فإن لم تكن تراه فإنه يراك) وهذا مثل قول القائل: فإن لم تكن تعلم الغيب فإن الله يعلمه فهل يلزم من هذا القول إثبات علم الغيب لأحد دون الله سبحانه ومن هذا القبيل في هذا الحديث ما يتعمق فيه المتشدقون أبعدهم الله فقد أبعدوا في المرمى ويقولون: إن جبريل قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - حين أخبره عن الإيمان والإسلام صدقت وأمسك عن هذا القول حين أخبره عن الإحسان ولا يخلو هذا عن فائدة فرأيت أن أبينه لئلا يغتر به مغتر ولا يقدم على تأويله متكلف فيضر به نفسه ويفتتن به غيره ولقد فهمت قصدهم فيه ولم أر أن أتعرض لإيضاحه لما فيه من سوء الأدب. فأقول وبالله التوفيق إن هذا الحديث من رواية عمر بن الخطاب رضي الله عنه مخرج في كتب الأئمة مسلم وأبي داود وأبي عبد الرحمن وأبي عيسى وسياقه في كتابي مسلم وأبي داود على هذا الوجه غير أن سؤاله عن الإسلام مقدم على سؤاله عن الإيمان وفي كتاب أبي عيسى وغيره: الأسئلة [... .] بترتيب [... .] في كتاب المصابيح [... .] لم يذكر في شيء من الحديث [... .] وانتهى إلى قوله: (فإن لم تكن تراه فإنه يراك) ثم روى الراوي بعد ذلك عن عمر- رضي الله عنه- أنه قال: في كل ذلك يقول: له: صدقت. وقد أخرج مسلم هذا الحديث في كتابه عن أبي هريرة رضي الله عنه وذكر الأسئلة الثلاثة على هذا الترتيب عن أبي هريرة رضي الله عنه وذكر بعد جواب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن جبريل قال صدقت في الأجوبة الثلاثة فتبين لنا أن جبريل عليه السلام أردف الأجوبة الثلاثة بالتصديق، وإنما وقع الترك فيما اعترض عليه المعترض من قبل بعض الرواة في هذا السياق، إذ قد صح ما ذكرناه بطرق مرضية وروايات صحيحة والعجب من جرأة من تخوض في مثل هذا القول بالظن والتخمين، والحديث الصحيح محكم بخلاف ما يشير إليه وكان من حق الإيمان أن ينتهي عن ذلك وإن لم يبلغه الحديث على ما نقلناه فإن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - هو الصادق المصدوق في سائر ما يخبر به وهو معصوم عن العوج في أمر الدين غير منسوب إلى القصور والتقصير.
قوله عليه السلام (فأخبرني عن الساعة) قد علم جبريل عليه السلام أن علم الساعة مما استأثر الله به