هاجت الريح قال: (اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً) ثم أنكر عليه أبو جعفر وقال: كان الأولى به -رحمه الله- مع جلالة قدره غير ذلك. وضعف الحديث الذي استدل به أبو عبيد جداً وأبى أن يكون له أصل في السنن الثابتة ثم ذكر بعد ذلك كلاماً نخبته: أن الله تعالى يقول في كتابه} هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة {الآية. وروى أبي بن كعب رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه قال: (لا تسبوا الريح إذا رأيتم منها ما تكرهون وقولوا: اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به، ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما أمرت به)، وروى عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (الريح من روح الله تأتي بالرحمة، وتأتي بالعذاب فلا تسبوها واسألوا الله خيرها واستعيذوا به من شرها).
وروى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا عصفت الريح قال: اللهم إني أسالك خيرها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك (26/ 1) من شرها وشر ما أرسلت به.
وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور، وروى عن أنس رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا هاجت ريح شديدة قال: اللهم إني أسألك من خير ما أمرت به وأعوذ بك من شر ما أمرت به، ثم قال أبو جعفر: ففي الآية وفيما رويناه من الأحاديث بيان واضح أن الريح تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب وأنه لا فرق بين الريح والرياح إلا بالرحمة أو العذاب، وأشار إلى أن مثل هذه الأحاديث مع صحتها لا تبطل بهذا الحديث مع ضعفه ومخالفته للأحاديث الصحاح. قلت: والذي قاله أبو جعفر إن كان قولاً مبنياً على قاعدة العلم مبذولاً من نصرة الحق؛ فإنا نرى أن لا نتسارع إلى رد هذا الحديث وقد تيسر علينا تأويله وتخريج المعنى على وجه لا يخالف النصوص التي أوردها هو أن نقول ومن الله العون: التضاد الذي جد أبو جعفر في الهرب منه إنما نشأ من التأويل الذي نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما، فأما الحديث نفسه فإنه محتمل لتأويل يمكن معه التوفيق بينه وبين النصوص التي عارضه بها أبو جعفر وذلك أن نذهب في قوله: (اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً) إلى أنه سأل النجاة من] التدمير [بتلك الريح فإنها إن تكن مهلكة لم تعقبها أخرى وإن كانت غير ذلك