من فيح جهنم في أوان البرد، أو يجد أثرا من الزمهرير في أوان الحر، كان تصديقه ذلك أقوى وأكمل في باب الإيمان بالغيب، لخلوه عن الشواهد الحسية.

[390] ومنه: حديث بريدة رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من ترك صلاة العصر، حبط عمله).

حبط حبطا وحبوطا، أي: بطل ثوابه، وليس ذلك من إحباط العمل الذي عمله قبل ذلك في شيء؛ لأن ذلك غير جائز في حق المسلم بما قد تبين لنا من أصول الشرع، وليس هذا الموضع موضع إيراده، ثم لا حاجة بنا إليه؛ لاشتهار تلك الأدلة بين الفئة المنصورة من أهل السنة، وإنما نحمل الحبوط في هذا الحديث على نقصان عمل يومه ذلك بترك العصر التي هي الصلاة الوسطى، وخاتمة فرائض النهار؛ فإنه لو أقام تلك الفريضة، رفع عمل نهاره ذلك مكملا؛ فأثيب عليه ثوابا موفرا، فلما ترك صلاة العصر، نقص ثواب عمله عما كان عمل النهار لو أتمه، ونظائر هذا القول في طرق المجاز كثيرة.

ويحتمل- والله أعلم- وجها آخر، وذلك أن نقول: أهل الإيمان يتفاوتون في درجات الثواب؛ فمنهم من إذا عمل حسنة، جوزى عليها عشرا [65/ب]؛ وذلك أدناهم، ومنهم من يرتفع عن هذه المرتبة إلى الضعف، وإلى الأضعاف، وإلى أضعاف كثيرة لا يعلم عددها إلا الله؛ فالذي ترك صلاة العصر إذا عمل حسنة بعد ذلك، لا يثاب عليها إثابة من يقوم بها إذ عمل مثل تلك الحسنة، بل يتأخر عنه في مراتب الثواب حيث لا يلحق شأوه؛ فلذلك هو المراد عن حبوط العمل في هذا الحديث، والله أعلم.

[393] ومنه: قول عائشة رضي الله عنها، (متلفعات بمروطهن).

يقال: تلفعت المرأة بمرطها: إذا تلحفت به.

وفيه: (من شدة الغلس).

الغلس: ظلمة آخر اليل؛ قال الأخطل:

كذبتك عينك أم رأيت بواسط .... غلس الظلام من الرباب خيالا

ثم إنه يستعمل على الاتساع فيما بقى منه بعد الصباح.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015