[4774] ومنه حديثه الآخر: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (ستكون هجرة بعد هجرة .. الحديث). كان من حق الثانية أن يؤتي بها مع لام العهد؛ لأن المراد منها الهجرة الواجبة قبل الفتح، وغنما أتى بها منكرة ليساوق الأولى في الصيغة، إضمار في الكلام، أي: بعد هجرة حقت ووجبت.

وإنما حسن الحذف اعتمادا على معرفة السامعين. والمعني: ستكون هجرة إلى الشام بعد هجرة كانت إلى المدينة، وذلك حين تكثر الفتن، ويقل القائمون بأمر الله في البلاد، ويستولى الكفرة الطغام على بلاد الإسلام، ويبقى الشام تسوسها العساكر الإسلامية منصورة على من نأواهم، ظاهرين على الحق، حتى يقاتلوا الدجال: فالمهاجر إليها حينئذ فار بدينه، ملتجئ إليها لصلاح آخرته، فكثر سواد عباد الله الصالحين القائمين بأمر الله.

وفيه: (تقذرهم نفس الله) ضرب المثل للمتخلفين عن حزب الله الذابين عن حريمه؛ رغبة في الدنيا، ورهبة عن القتل والقتال، ورضي بما هم فيه من الذل والهوان في قلة التوفيق وعدم القبول بالشيء المستقذر الذي تنفر عنه الطباع، وتأباه الأنفس، وهو قول مناسب لما في التنزيل: {ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم} ونفس الله: ذاته، وهو وإن كان من حيث جعل له مضاف إليه يقتضى المغايرة وإثبات شيئين من حيث الغيار، فإنه على سبيل الاتساع، وتعالى الله الملك عن الأنثوية ومشابهة المحدثات علوا كبيرا.

[4775] ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث عبد الله بن حوالة- رضي الله عنه-: (فأما إن أبيتم، فعليكم بيمنكم) هذا كلام معترض أدخله بين قوله: (عليكم بالشام) وبين قوله: (واسقوا من غدركم)؛ فإن الله قد تكفل لي بالشام وأهلها) رخص به العرب، واليمن من أرض العرب.

ومعنى قوله: (واسقوا من غدركم) أي: ليسق كل واحد من غديره الذي يختص به. وغدر جمع غدير،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015