وَمَا ميزت بِهِ كثير إِلَّا أَن من أعجب ذَلِك حفظ الله عزوجل لكتابنا عَن تَبْدِيل قَالَ الله عزوجل: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لحافظون) فَمَا يُمكن تَبْدِيل كلمة مِنْهُ وَقد بدلت الْكتب قبله.

وَمن ذَلِك أَن سنة نَبينَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مأثورة بنقلها خلف عَن سلف، وَلم يكن هَذَا لأحد من الْأمة (?) قبلهَا، وَلما لم يُمكن أحد أَن يدْخل فِي الْقُرْآن شَيْئا لَيْسَ مِنْهُ أَخذ أَقوام يزِيدُونَ فِي حَدِيث رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وينقصون ويبدلون ويضعون عَلَيْهِ مَا لم يقل، فَأَنْشَأَ الله عزوجل عُلَمَاء يَذبُّونَ عَن النَّقْل، ويوضحون الصَّحِيح ويفضحون الْقَبِيح، وَمَا يخلى الله عزوجل مِنْهُم عصرا من العصور، غير أَن هَذَا النَّسْل قد قل فِي هَذَا الزَّمَان فَصَارَ أعز من عنقاء مغرب.

أَنبأَنَا عبد الملك بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ الْكَرُوخِيُّ قَالَ: أَنبأَنَا عبد الله بْنُ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّمِيمِيُّ قَالَ أَنْبَأَنَا لاحِقُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَفْص الْقَزاز قَالَ: حَدثنَا عبد الملك بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ الطَّائِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ، يَنْفُونَ عَنْهُ تَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ ".

فصل وَقد كَانَ قدماء الْعلمَاء يعْرفُونَ صَحِيح الْمَنْقُول من سقيمه، ومعلوله من سليمه، ثمَّ يستخرجون حكمه ويستنبطون علمه، ثمَّ طَالَتْ طَرِيق الْبَحْث من بعدهمْ فقلدوهم فِيمَا نقلوا، وَأخذُوا عَنْهُم مَا هذبوا، فَكَانَ الْأَمر متحاملا إِلَى أَن آلت الْحَال إِلَى خلف لَا يفرقون بَين صَحِيح وَسَقِيم، وَلَا يعْرفُونَ نسرا من ظليم، وَلَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015