الْأَسَانِيد وَنقد الرِّجَال عبر السنين، وَبنى عَلَيْهَا الحكم لَا بِالنِّسْبَةِ للسند، فقد كَفاهُ كل فريق من الثَّلَاثَة مؤنتها وَلَكِن بِالنِّسْبَةِ للمتن فِي هَذِه الْمرة، إِذْ هُوَ بَيت القصيد، وَغَايَة الْمَقْصُود، الَّذِي بقبوله صَحِيحا وَالْعَمَل بِهِ تتمّ الْفَائِدَة وتنزل الْبركَة ويتحقق الْخَيْر.
وبقبوله مكذوبا وَالْعَمَل بِهِ.
يجنى الخسار وَيحل الْبَوَار.
تجرد لهَذِهِ المهمة أَئِمَّة أفذاد كبار، واصلوا اللَّيْل بِالنَّهَارِ، فَجمعُوا الْكثير مِمَّا لَا يَقع تَحت حصر، وفندوا عِلّة كل حَدِيث مِنْهَا ثَبت عِنْدهم وَضعه فَرَوَوْه بِسَنَدِهِ، وأبانوا عَن عواره وزيف نسبته إِلَى الرَّسُول الْكَرِيم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَهَذِه خُصُوصِيَّة أُخْرَى.
لم تحدث فِي دين من أَدْيَان السَّابِقين.
لم يحدث أَن تجردت طَائِفَة من عُلَمَاء أمة، تعقبت على امتداد العصور وَصَايَا نَبِي من أنبيائها، تنفض عَنْهَا الزيف، وتنفي عَنْهَا الْخبث.
وَتكشف انتحال المبطلين، وتزوير المزورين.
بل لم يحدث أَن هبت طَائِفَة من عُلَمَاء أمة تنفض التحريف والتبديل
عَن كتابها السماوي.
بِصُورَة أَو بِأُخْرَى، مِثْلَمَا حدث فِي أمتنَا من هبوب عُلَمَاء الاسلام فِي حماص وَغَضب وغيرة، إزاء أَحَادِيث غير سَمَاوِيَّة نسبت بَاطِلا للرسول عَلَيْهِ السَّلَام، وهى خُصُوصِيَّة أُخْرَى لخير أمة أخرجت للنَّاس.
وَلَئِن كَانَ فِي الْكثير من بِلَاد الْمُسلمين بعض خرافة..وَبَعض انحراف وصنمية.
فلعمري.
لَيْسَ يرجع السَّبَب إِلَى تَقْصِير من عُلَمَاء الْأمة، عبر العصور وحاشاهم.
بل إِلَى قُصُور فِي مدارك الْعَوام والمتعالمين.
وانصراف عَن اللّبَاب إِلَى القشور، وحفول بالمظاهر دون الْحَقَائِق.
وَالله الْمُسْتَعَان.
من هَذَا الْفَرِيق الرَّابِع الإِمَام الشَّوْكَانِيّ رَحمَه الله فِي كِتَابه " الْفَوَائِد الْمَجْمُوعَة للأحاديث الْمَوْضُوعَة "، والجوزجاني، والقزويني، فِي كتبهمْ " الموضوعات " وَالربيع فِي " تَمْيِيز الطّيب من الْخَبيث "، وزين العابدين الْعِرَاقِيّ فِي كِتَابه " المغنى من حمل الْأَسْفَار " فِي تَخْرِيج الاحياء.