سَمِعت قَول الله عزوجل (وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ثُمَّ جَرَّهُ حَتَّى أَخْرَجَهُ بَيْنَ يَدِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِد وَقَالَ: صَدَقَتِ الْمَرْأَةُ، وَأَقَرَّ أَبُو شَحْمَةَ بِمَا قَالَتْ.
وَلَهُ مَمْلُوكٌ يُقَالُ لَهُ أَفْلَحُ.
فَقَالَ لَهُ: يَا أَفْلَحُ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً إِنْ أَنْتَ قَضَيْتَهَا فَأَنْتَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ.
فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ مُرْنِي بِأَمْرِكَ.
قَالَ: خُذِ ابْنِي هَذَا فَاضْرِبْهُ مِائَةَ سَوْطٍ وَلا تُقَصِّرْ فِي ضَرْبِهِ.
فَقَالَ: لَا أَفْعَلُهُ.
وَبَكَى وَقَالَ: يَا لَيْتَنِي لَمْ تَلَدْنِي أُمِّي حَيْثُ أُكَلَّفُ ضَرْبَ وَلَدِ سَيِّدِي.
فَقَالَ لَهُ عُمَر: إِنَّ طَاعَتِي طَاعَةُ الرَّسُولِ فَافْعَلْ مَا أَمَرْتُكَ بِهِ.
فَانْزَعْ ثِيَابَهُ.
فَضَجَّ
النَّاسُ بِالْبُكَاءِ وَالنَّحِيبِ، وَجَعَلَ الْغُلامُ يُشِيرُ بِإِصْبَعِهِ إِلَى أَبِيهِ وَيَقُولُ: أَبَة ارْحَمْنِي فَقَالَ لَهُ عُمَرُ وَهُوَ يَبْكِي: رَبُّكَ يَرْحَمُكَ، وَإِنَّمَا هَذَا كَيْ يَرْحَمَنِي وَيَرْحَمَكَ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَفْلَحُ اضْرِبْ.
فَضَرَبَ أَوَّلَ سَوْطٍ.
فَقَالَ الْغُلامٌ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
فَقَالَ: نِعْمَ الاسْمُ سَمَّيْتَ يَا بُنَيَّ.
فَلَمَّا ضَرَبَهُ بِهِ ثَانِيَةً قَالَ: أَوَّهُ يَا أَبَة.
فَقَالَ عُمَرُ: اصْبِرْ كَمَا عَصَيْتَ.
فَلَمَّا ضُرِبَ ثَالِثًا قَالَ: الأَمَانُ.
قَالَ عُمَرُ: رَبَّكَ يُعْطِيكُ الأَمَانَ.
فَلَمَّا ضَرَبَهُ رَابِعًا قَالَ: وَاغَوْثَاهُ.
فَقَالَ: الْغَوْثُ عِنْدَ الشِّدَّةِ.
فَلَمَّا ضَرَبَهُ خَامِسًا حَمِدَ اللَّهَ.
فَقَالَ عُمَرُ: كَذَا يَجِبُ أَنْ تَحْمَدَهُ.
فَلَمَّا ضَرَبَهُ عَشْرًا قَالَ: يَا أَبْة قَتَلْتَنِي قَالَ: يَا بُنَيَّ ذَنْبُكَ قَتَلَكَ.
فَلَمَّا ضَرَبَهُ ثَلاثِينَ قَالَ: أَحْرَقْتَ وَاللَّهِ قَلْبِي.
قَالَ: يَا بُنَيَّ النَّارُ أَشَدُّ حَرًّا.
قَالَ: فَلَمَّا ضَرَبَهُ أَرْبَعِينَ قَالَ: يَا أَبَة دَعْنِي أَذْهَبُ عَلَى وَجْهِي.
قَالَ: يَا بُنَيَّ إِذَا أَخَذْتُ حَدَّ اللَّهِ مِنْ جَنْبِكَ اذْهَبْ حَيْثُ شِئْتَ.
فَلَمَّا ضَرَبَهُ خَمْسِينَ قَالَ: نَشَدْتُكَ بِالْقُرْآنِ لَمَا خَلَيْتَنِي.
قَالَ: يَا بُنَيَّ هَلا وَعَظَكَ الْقُرْآنُ وَزَجَرَكَ عَنْ مَعْصِيّة الله عزوجل، يَا غُلامُ اضْرِبْ.
فَلَمَّا ضَرَبَهُ سِتِّينَ قَالَ: يَا أَبِي أَغِثْنِي.
قَالَ: يَا بُنَيَّ إِنَّ أَهْلَ النَّارِ إِذَا اسْتَغَاثُوا لَمْ يُغَاثُوا.
فَلَمَّا ضَرَبَهُ سَبْعِينَ قَالَ: يَا أَبَة اسْقِنِي شَرْبَةً مِنْ مَاءٍ.
قَالَ: يَا بُنَيَّ إِنْ كَانَ رَبُّكَ يُطَهِّرُكَ فَيَسْقِيكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرْبَةً لَا تَظْمَأُ بَعْدَهَا أَبَدًا، يَا غُلامُ اضْرِبْ.
فَلَمَّا ضَرَبَهُ ثَمَانِينَ قَالَ: يَا أَبَة السَّلامُ عَلَيْكَ.
قَالَ: وَعَلَيْكَ السَّلامُ، إِنْ رَأَيْتَ مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم