به، مع إحسان ابن الرّومى فى إساءته، وقصور البحترى عن مداه فيه، وأنه لم يبلغه فى دقة معانيه وجودة ألفاظه [203] وبدائع اختراعاته، أعنى الهجاء خاصة؛ لأنّ البحترىّ قد هجا نحوا من أربعين رئيسا ممن مدحه؛ منهم خليفتان، وهما المنتصر والمستعين؛ وساق بعدهما الوزراء ورؤساء القوّاد، ومن جرى مجراهم من جلّة الكتاب والعمال ووجوه القضاة والكبراء بعد أن مدحهم وأخذ جوائزهم؛ وحاله فى ذلك تنبئ عن سوء العهد، وخبث الطريقة.

ومما قبح فيه أيضا، وعدل عن طريق الشعراء المحمودة- أنّى وجدته قد نقل نحوا من عشرين قصيدة من مدائحه لجماعة توفّر حظّه منهم عليها إلى مدح غيرهم، وأمات أسماء من مدحه أولا، مع سعة ذرعه بقول الشعر، واقتداره على التوسّع فيه.

ولم أذكر حاله فى ذلك على طريق التحامل مع اعتقادى فضله وتقديمه؛ ولكننى أحببت أن أبيّن أمره لمن لعله انستر عنه. وحسبنا الله ونعم الوكيل.

ومثل حديث البحترى مع المستعين ما أخبرنيه محمد بن يحيى، قال: حدثنى أبو الفيّاض سوّار بن أبى شراعة، قال لى أحمد بن أبى طاهر: ما رأيت أقلّ وفاء من البحترى ولا أسقط؛ رأيته قائما ينشد أحمد بن الخصيب مدحا له فيه، فحلف عليه ليجلسنّ، ثم وصله واسترضى له المنتصر، وكان غضبان عليه، ثم أوصل له مديحا إليه، وأخذ له منه مالا فدفعه إليه. ثم نكب المستعين أحمد بن الخصيب بعد فعله هذا بشهور، فلعهدى به قائما ينشده «49»

:

ما الغيث يهمى صوب إسباله ... والليث يحمى خيس «50» أشباله

كالمستعين المستعان الذى ... تمت لنا النّعمى بأفضاله

فقال فيها:

لابن الخصيب الويل كيف انبرى ... بإفكه المردى «51» وإبطاله

كاد أمين الله فى نفسه ... وفى مواليه وفى ماله «52»

طور بواسطة نورين ميديا © 2015