قال: وفى هذا البيت شىء يستطرفه النحويون، وهو أنهم لا يجمعون ما كان على فاعل نعتا «فواعل» ؛ لئلا يلتبس بالمؤنث؛ لا يقولون ضارب وضوارب، وقاتل وقواتل؛ لأنهم يقولون فى جمع ضاربة ضوارب وقاتلة قواتل، ولم يأت ذا إلّا فى حرفين؛ أحدهما قولهم فى جمع فارس فوارس؛ لأن هذا مما لا يستعمل فى النساء، فأمنوا الالتباس. ويقول فى المثل: «هو هالك فى الهوالك» ؛ فأجروه على أصله لكثرة الاستعمال، لأنه مثل؛ فلما احتاج الفرزدق لضرورة الشعر أجراه على أصله، فقال:
نواكس الأبصار، ولا يكون مثل هذا أبدا إلا فى ضرورة.
أخبرنا ابن دريد، قال: أخبرنا أبو حاتم، قال: سمعت الأصمعى يقول: تسعة أعشار شعر الفرزدق سرقة، وكان يكابر. وأما جرير فما علمته سرق إلّا نصف بيت؛ قال: ولا أدرى؛ ولعله وافق شىء شيئا. قلت: وما هو؟ فقال: هجاء، ولم يخبرنا به.
قال أبو حاتم: وقد رأيته أنا بعد فى شعره، والبيت «60» :
يقصّر باع العاملىّ عن العلا ... ولكنّ أير العاملىّ طويل
قال ابن دريد: وهذا البيت لغيره وهو قديم.
قال الشيخ أبو عبيد الله المرزبانى: وهذا تحامل شديد من الأصمعى وتقوّل على الفرزدق لهجائه باهلة، ولسنا نشكّ أنّ الفرزدق قد أغار على بعض الشعراء فى أبيات معروفة، فأما أن نطلق أنّ تسعة أعشار شعره سرقة فهذا محال، وعلى أنّ جريرا قد سرق كثيرا من معانى الفرزدق، وقد ذكرنا ذلك فى أخبار الفرزدق.
وقال أحمد بن أبى طاهر: كان الفرزدق يصلت «61» على الشعراء ينتحل أشعارهم، ثم يهجو من ذكر أنّ شيئا انتحله أو ادّعاه لغيره، وكان يقول: ضوالّ الشعر أحبّ إلى من ضوالّ الإبل، وخير السرقة ما لم تقطع فيه اليد.
أخبرنا ابن دريد، قال: أخبرنا أبو حاتم، قال: سمعت الأصمعى يقول: قال الفرزدق لامرأته النّوار: كيف شعرى من شعر جرير؟ قالت: قد شركك فى حلوه، وغلبك على مرّه.