وأخبرنى محمد بن يحيى، قال: حدثنى أبو ذكوان، قال: حدثنا عبد الله بن محمد النّحوى، قال: حدثنى الفرّاء، قال: أخبرنا أبو جعفر الرّؤاسى، قال: حدثنا أبو عمرو بن العلاء، قال: أنشد الفرزدق قصيدته «27» .
عزفت بأعشاش وما كدت تعزف
فمرّ فيها:
وعضّ زمان يا بن مروان لم يدع ... من المال إلا مسحتا أو مجلّف
فقال ابن أبى سحاق: على أى شىء رفعت مجلفا؟ قال: على ما يسوءك. قال أبو عمرو: فقلت له: أصبت؛ هو جائز على المعنى على أنه لم يبق سواه.
وكان أبو عمرو ممن حسّن الله علمه وفهمه.
قال الفراء: مسحتا مستأصلا، من قول الله عز وجل: فيسحتكم بعذاب؛ أى يستأصلكم، إلا أنه فى القرآن من سحت، وجاء به الفرزدق من أسحت.
أخبرنى محمد بن أبى الأزهر، قال: حدثنا محمد بن يزيد النحوى، قال: قد يقع الإيماء إلى الشىء فيغنى عند ذوى الألباب عن كشفه، كما قيل «لمحة دالّة» ، وقد يضطر الشاعر المفلق، والخطيب المصقع، والكاتب البليغ؛ فيقع فى كلام أحدهم المعنى المستغلق، واللفظ المستكره، فإذا انعطفت عليه جنبتا الكلام غطّتا على عواره، وسترنا من شينه، وإن شاء قائل أن يقول: الكلام القبيح فى الكلام الحسن أظهر، ومجاورته له أشهر- كان له ذلك، ولكن يغتفر السّيئ للحسن، والبعيد للقريب، فممّا وقع كالإيماء قول الفرزدق «28» :
ضربت عليك العنكبوت بنسجها ... وقضى عليك به الكتاب المنزل
فتأويل هذا أنّ بيت جرير فى العرب كالبيت الواهى الضعيف- وقوله: وقضى عليك به الكتاب المنزل: يريد قول الله عز وجل «29» : «وإنّ أوهن البيوت لبيت العنكبوت» .