حياته، ثم قاد حملة سنة (168هـ = 784م) إلى طليطلة؛ حيث هزم زعيم
الفهرية هناك بعد معارك شديدة وقتال فى أكثر من موقع.
ولما شعر عبدالرحمن بهدوء نسبى، استدعى بنى أمية من المشرق،
فأقبل إليه كثيرون، استعان بهم فى تحمل بعض المسئوليات، لكنه
فوجئ بأن من بينهم من ينقم عليه، ويقيم ضده المؤامرات، فاضطر
إلى أن يعتمد على المخلصين من موالى بنى أمية ومن انضم إليه من
أهل البلاد، بالإضافة إلى قوة من الصقالبة اشتراهم صغارًا من بلاد
النصارى ورباهم تربية إسلامية، ونشأهم تنشأة عسكرية، وأصبح
هؤلاء عنصرًا أساسيا من عناصر القوة السياسية فى الأندلس.
وتُوفِّى عبدالرحمن فى (10من جمادى الآخرة 172هـ = 16 من أكتوبر
788م) بعد حياة طويلة قضاها فى كفاح متواصل، ومواجهة للصعاب
والأهوال، وأقام ملكًا ودولة فوق بركان يضطرم بالثورات والمؤامرة،
وأثبت أنه بطل فريد من أبطال التاريخ، لا يجود الزمان بمثله كثيرًا،
فتى شريدًا بلا أنصار وأعوان يفر من الموت الذى تعرضت له أسرته،
لكنه يستغل ظروف الأندلس فيقودها بكثير من الدهاء والحزم
والعزيمة والذكاء، ويقيم دولة على أسس إدارية وسياسية ومالية
ثابتة.
ويزيد من قيمة ما قام به أن من حكمهم تعودوا على الفوضى
والأنانية، وتقديم المصالح الشخصية على المصالح القومية، ولم يكن
باستطاعة عبدالرحمن إلا أن يعامل هؤلاء بما يستحقون من شدة
وقسوة، لكنه أصبح فى أخريات أيامه شديد الاستبداد، لايقبل
المناقشة من أحد حتى مولاه «بدر» غضب عليه، وأقصاه بعد طول
خدمة.
وأفضل ماتميز به؛ عقله المرتب وأسلوبه المنظم، فقد كان يدرس
مشاكله، ويتلقى أخبار الثورات بجنان ثابت، ثم يرسم خطته للقضاء
عليها، ويصفه ابن حيان أمير مؤرخى الأندلس بقوله: «كان راجح
العقل، واسع العلم، ثاقب الفهم، كثير الحزم .. متصل الحركة لايخلد
إلى راحة، ولايسكن إلى دعة، ولا يكل الأمور إلى غيره، ثم لاينفرد
فى إبرامها برأيه، شجاعًا، مقدامًا .. ».