وتفوقهم فى مجالات العلوم والحضارة.

وبعد:

فقد عاش المماليك فى بلاد المسلمين واتخذوا منها مواطن لا يعرفون

غيرها، فأنشئوا بها حضارتهم الخاصة التى تفوقت على حضارات

الأمم الكبيرة آنذاك، والتى مازالت آثارها باقية حتى اليوم، شاهد

صدق على حب هؤلاء المماليك لهذه البلاد، ودليلا قاطعًا على عظمة

سلاطينهم، فمازالت «القاهرة» مليئة بالآثار التى تركها المماليك،

والتى تدل على مدى التقدم الرائع لهذا العصر فى الفنون جميعها،

وبخاصة الزخرفة التى لا يخلو منها مسجد أو قبة أو مدرسة من

آثارهم، ولاشك أن ذلك يعود إلى اهتمام سلاطين هذه الدولة بهذه

الفنون، وبتوفير التمويل المالى اللازم لتنفيذها.

- الحالة الاقتصادية فى عهد سلاطين المماليك:

مما لاشك فيه أن الحالة الاقتصادية لأية أمة من الأمم تمثل العمود

الفقرى لها، فإذا كان الاقتصاد قويا وأحسن استغلاله فى تيسير

حاجات البلاد، وبناء نهضتها، وتشييد حضارتها؛ كان ذلك مدعاة

إلى التقدم والازدهار فى جميع المجالات، ووقوف البلاد فى صفوف

الأمم المتقدمة ذات السيادة العالمية. أما إذا كان اقتصاد أى بلد عكس

ذلك، فإنه يكون مدعاة للظلم والقهر والسلب، وخذلان البلاد ووقوفها

فى ذيل قائمة البلاد المتقدمة، منتظرة قراراتها فى تسيير أمورها

وشئونها الخاصة، ولا تتوافر لهذه الأمم الضعيفة القدرة على اتخاذ

القرار فيما يخصها، وتصبح فريسة للتدخل الأجنبى، وطمع

المستعمرين، ولقد كان المماليك من القوة الاقتصادية لدرجة أن

دولتهم بلغت حدا من الثراء لم تؤثر عليه الحروب العديدة التى

خاضوها، بالإضافة إلى الإنشاءات والإصلاحات التى قامت بها فى

طول البلاد وعرضها؛ إذ تعددت مصادر الثروة التى زخرت بها خزائن

المماليك، فبالإضافة إلى ضرائب الخراج، والتركات التى لا وارث لها

كانت هناك مصادر أساسية وثابتة لزيادة موارد الدولة؛ إذ اهتم

المماليك بالزراعة والصناعة والتجارة، وأقاموا مقاييس للنيل،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015