الاتحاد والترقى أول حزب سياسى ظهر فى الدولة العثمانية
عام (1308 هـ)، وكان فى الأصل جمعية سرية أنشأها بعض
أعضاء جمعية تركيا الفتاة، وكانت أهدافهم المعلنة هي: إطلاق
الحريات، وإقامة حياة نيابية، وإعلان الدستور، أمَّا الأهداف
الخفية فهي: السعى للوصول إلى السلطة، وإسقاط الخلافة
العثمانية، وتمزيق العالم الإسلامى، وتفتيت وحدته، والسيطرة
عليه، وفتح الطريق أمام اليهود لإقامة دولة لهم فى فلسطين، ثم
تمتد من النيل إلى الفرات. وكان معظم أعضاء هذه الجمعية
منضمين إلى الجمعيات الماسونية، وكانوا خليطًا من أجناس
وأديان وقوميَّات مختلفة، ولكن أغلبهم كانوا من الأتراك
العثمانيين، وكان ضباط الجيش التركى هم أبرز العناصر فى
جمعية الاتحاد والترقي. وقد أصبح هذا التنظيم السرى حزبًا
علنيًّا فى سنة (1327 هـ) بعد نجاحه فى الإطاحة بالسلطان
العثمانى عبد الحميد الثانى، وأصبح هذا الحزب هو صاحب
السلطة الحقيقية فى الدولة العثمانية فى الفترة من سنة (1326
هـ) إلى سنة (1337هـ). وبعزل السلطان عبد الحميد لم تعد
للخلافة سيطرة على الدولة الإسلامية، فقد جاء من بعده سلاطين
مستضعفون، وقعوا تحت سيطرة جمعية الاتحاد والترقي التى
يقف من ورائها اليهود وكانت هذه الجمعية موضع شبهات منذ
وقت مبكر. وقد استغل اليهود هذه الجمعية، ووفروا لها كل
الإمكانات المادية، وكانت لهم الحظوة والمكانة فى الوزارات
التى شكلتها، وكانت هذه الجمعية تعمل - بتوجيه من العناصر
اليهودية - على إزالة كثير من القيود التى تقف فى وجه
استيطانهم فى فلسطين، وكانت سياسة الاتحاد والترقى بعد
أن أمسك أعضاؤه بزمام السلطة فى تركيا عنصرية متطرفة،
فنادوا بتفوق العنصر التركى، وبضرورة سيادته على العناصر
الأخرى، وبخاصة العنصر العربى. وقد أدت سياستهم هذه - فى
النهاية - إلى سقوط الخلافة العثمانية، وتمزيق العالم الإسلامى،