الكبرى، حتى لم يعد لأمير الأندلس من سلطان إلا على مدينة
قرطبة وحدها. واجه الأمير (عبد الله (هذه الخطوب جميعًا، وعمل
على إخماد الفتن بما وسعه من جهد؛ فلم يهدأ ولم يتوانَ فى
العمل، وظلَّ طيلة فترة إمارته يرسل الجيوش، ويجرِّد الحملات،
ويخرج بنفسه تارة، ويرسل قواده أخرى، حتى أنهك الثائرين،
وأنهك إمارته؛ مما أعطى الفرصة للممالك المسيحية فى التوسُّع
على حساب الدولة الإسلامية. ومن أسوأ ما يُذكَر للأمير (عبد
الله (غدره بولديه الأمير (محمد (أولا، ومن بعده الأمير (المطرف (،
كما أنه قتل أخوين له، قتل أحدهما بالسيف والآخر بالسّمِّ.
وبالرغم من كلِّ ما يقال عن الأمير (عبد الله (فإن الرواية
التاريخية لا تحرمه من جانب مشرق، يتمثَّل فى محبته للعلم
والعلماء، حتى كان مجلسه من أجلِّ ما عرفت (الأندلس (حتى
عصره. 8 - الأمير (عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله (، المعروف
بالناصر لدين الله (300 - 350هـ= 912 - 961م). ومما يُذكَر من
حسنات الأمير (عبد الله (أنَّه أومأ بالإمارة -من بعده- إلى حفيده
(عبد الرحمن بن محمد (، وربما كان ذلك تكفيرًا عما ارتكبه فى
حق والده الأمير (محمد (، فلقد أثبت هذا الفتى الشابُّ أنه الجدير
بالإمارة، والكفء لمواجهة ما كان يعترضها من عقبات. وُلِد (عبد
الرحمن الناصر (، سنة (277هـ= 890م)، قبل مقتل والده بأيام،
وكَفَله جدُّه الأمير (عبد الله (، وأحسن تربيته، وهيّأه لتولى
الإمارة من بعده. نهض (عبد الرحمن الناصر (بالمهمة خير نهوض؛
فعمد إلى الثوار يستنزلهم بالقوة، أو بالمسالمة، حتى تمكَّن
خلال سنوات قليلة من القضاء على جميع الثورات، وإعادة
(الأندلس (إلى وحدتها؛ حيث بدأت البلاد معه فترة من أحسن
فترات تاريخها. وجَّه (الناصر (جهوده وحملاته إلى مواجهة
عنفوان الممالك المسيحية فى شمالى الأندلس وتبادل معها النَّصر
والهزيمة لكنه أكَّد تفوُّقه عليها عسكريًّا وسياسيًّا، حتى صار