الشيعة بأية ثورة ضد الدولة الأموية، بسبب الضربات المتلاحقة التى
حاقت بهم، وافتقارهم إلى الزعامة القوية التى تقودهم، لأن «على
بن الحسين» - وهو الوحيد الذى نجا من مذبحة «كربلاء» - كان عازفًا
عن الاشتغال بالسياسة، محبا للعلم متفرغًا للعبادة، غير أن ابنه
«زيد بن على» - وكان عالمًا فاضلا - حدَّثته نفسه بالخلافة، ورأى
أنه أهل لها، وعرف أهل «الكوفة» منه ذلك، فزيَّنوا له الثورة على
«بنى أمية»، وقالوا له: «إنا لنرجو أن تكون المنصور، وأن يكون
هذا الزمان الذى يهلك فيه بنو أمية».
تشكك «زيد بن على» فى صدق نيتهم، وقوة عزيمتهم، وقال لهم:
«إنى أخاف أن تخذلونى وتسلمونى كفعلتكم بأبى وجدى»، لكنه
استجاب لهم على الرغم من تحذير أهله وأولاد عمومته من غدر أهل
«الكوفة».
انخدع «زيد بن على» بأهل «الكوفة» وأعلن الثورة على «هشام ابن
عبدالملك» سنة (121هـ)، فتكررت أحداث قصة جده «الحسين»،
وأعاد التاريخ نفسه، فلم يتساهل الخليفة «هشام» مع ثورة تريد
نقض ملكه والإطاحة بدولته، على الرغم من كراهيته لسفك الدماء،
فأمر واليه على «الكوفة» «يوسف بن عمر الثقفى» فتصدَّى لزيد بن
على الذى انفض عنه شيعته، وأسلموه إلى عدوه، كما أسلم
أسلافهم جدَّه «الحسين»، ولم يبقَ معه فى اللحظات الحرجة من بين
خمسة عشر ألفًا بايعوه وعاهدوه على النصرة، إلا نحو مائتى رجل،
فاستطاع «يوسف بن عمر» أن يقضى فى سهولة ويسر على تلك
الثورة، وقتل «زيد بن على» فى صفر سنة (122هـ). فحزن «هشام»
على قتله، لأنه كان يكره سفك الدماء.
وتُوفى «هشام بن عبدالملك» فى مطلع شهر ربيع الآخر سنة
(125هـ).