لم يقم الشيعة بأى ثورة ضد «معاوية بن أبى سفيان»، طوال
مدة خلافته (41 - 60هـ)، وإنما اندلعت أولى ثوراتهم بقيادة
«الحسين بن على» فى خلافة «يزيد بن معاوية»، بعد أن رفض
«الحسين» بيعة «يزيد»، وكان قد رفض من قبل تعيينه وليا
للعهد فى زمن أبيه. اعتصم «الحسين» بمكة المكرمة، وهناك
توالت عليه رسائل أهل «الكوفة» يطلبون منه الحضور إليهم؛
ليبايعوه بالخلافة، فاستجاب لهم على الرغم من تحذير «ابن
عباس» - وهو من أقرب الناس إليه - من الذهاب إلى «العراق»،
لأنها دعوة من لا أمان أو عهد لهم، وقد خذل أهل العراق أباه
من قبل، لكنه أصر على الذهاب، وأرسل - قبل أن يتحرك- ابن
عمه «مسلم بن عقيل بن أبى طالب» إلى «الكوفة»، ليستطلع
الأمر، ويكتب له بحقيقة الموقف هناك. وصل «مسلم بن عقيل»
إلى «الكوفة»، فاستقبله الناس بحماس شديد وبحفاوة بالغة،
وبايعه منهم نحو ثمانية عشر ألفًا، فانخدع بهم بعد أن تغافل
«النعمان بن بشير» والى «الكوفة» عنه، فكتب إلى «الحسين»
يطمئنه، ويطلب منه الحضور إلى «الكوفة». ولما علم «يزيد» بما
فعله «مسلم» فى «الكوفة»، اضطر إلى عزل «النعمان بن
بشير» عن ولايتها لتغاضيه عما يقوم به «مسلم»، وولَّى مكانه
«عبيدالله بن زياد»، فحضر على الفور، وقبض على «مسلم»
وقتله بعد أن انفضت عنه الآلاف التى تجمعت حوله من أهل
«الكوفة»، وتركوه يلقى مصرعه وحده. وفى أثناء هذه
الأحداث المتلاحقة كان «الحسين» فى طريقه إلى «الكوفة»،
فلما وصلته أخبار «مسلم»، وتخاذُل الكوفيين عنه، قرر العودة
إلى «مكة»، لكن إخوة «مسلم» أصروا على مواصلة السير، طلبًا
لثأر أخيهم، فلم يجد «الحسين» بُدا من مطاوعتهم، وكان هذا من
الأخطاء الكبيرة، فالذى قتل «مسلم» دولة لا فرد، وليس فى
استطاعتهم - وهم قلة فى عددهم - التصدِّى للدولة، فقد كانوا
نحو سبعين رجلا. واصل «الحسين» سيره حتى بلغ «كربلاء»