ومعظمهم من (البربر) الذين يعتزون بحريتهم وكرامتهم.
وكانت مقاومتهم الشديدة للفتح ترجع إلى جهلهم بطبيعة الإسلام
وأهدافه ومبادئه، وظنهم أن الفاتحين كغيرهم من الغزاة، جاءوا
لاستغلال بلادهم والاستيلاء على خيراتها، فلما فهموا الإسلام وما
يحمله من عزة وكرامة، واحتكوا بالفاتحين المسلمين وسماحتهم
ورحمتهم أقبلوا على الإسلام بحماس لا نظير له، وحملوا رايته،
وجاهدوا فى سبيله، وشاركوا فى فتوحاته، فكان لهم فى فتح
(الأندلس) بلاءٌ حسن.
وعلى الرغم من طول أمد فتح (شمالى إفريقيا)؛ بسبب المقاومة
العنيدة التى أبداها السكان فإن استجابتهم للإسلام واعتناقهم له
كان أسرع وأوسع انتشارًا مما حدث فى بلاد المشرق الأسبق فتحًا
مثل (العراق) و (الشام) و (مصر). وقد بدأ السكان يقبلون على الإسلام
منذ فتح (عمرو بن العاص) برقة فى عهد (عمر بن الخطاب)، وظل
هؤلاء متمسكين بإسلامهم على الرغم من توقف الفتوحات فترة
طويلة؛ بسبب الفتن الداخلية فى الدولة، بدليل وجود كثير من أهل
البلاد فى جيش (عقبة بن نافع)، عندما أسند إليه (معاوية) قيادة
جيش الفتح فى (شمالى إفريقيا)، كما أسلم على يدى (عقبة) فى
تلك الفترة أعداد كبيرة.
ثم خطا الإسلام فى المغرب خطوات واسعة، وسعى سعياً حثيثًا فى
عهد (أبى المهاجر دينار)؛ لحسن سياسته التى جذبت ملك البربر
(كسيلة) إلى الإسلام، وأسلم بإسلامه أعداد هائلة، وكان (أبو
المهاجر) يبنى مسجدًا فى كل مدينة يفتحها، ويعمل على امتزاج
العرب الفاتحين بأهالى البلاد؛ ليكون لذلك أثره فى تعليمهم الدين
واللغة العربية.
ثم كان ظهور (حسان بن النعمان) ومن بعده (موسى بن نصير) فى
(شمالىّ إفريقيا) من عوامل التمكين للإسلام فى البلاد؛ فاستطاع
(حسان) أن يقضى على الوجود البيزنطى قضاءً تاما، ثم على
مقاومة (الكاهنة) التى تزعمت البلاد بعد مقتل (كسيلة).
والعجيب أن هذه المرأة العنيدة وهى تخوض معركتها الأخيرة مع