هو «يزيد بن معاوية بن أبى سفيان» وأمه «ميسون بنت مخول
الكلبية». ولد فى «دمشق» سنة (26هـ) فى خلافة «عثمان بن
عفان»، حين كان أبوه واليًا على الشام، فنشأ فى بيت إمارة
وجاه، وقد عُنى أبوه بتربيته تربية عربية إسلامية، فأرسله
وهو طفل إلى البادية عند أخواله من «بنى كلب»، فشب شجاعًا
كريمًا، أبى النفس، عالى الهمة، شاعرًا فصيحًا، وأديبًا لبيبًا،
حاضر البديهة، حسن التصرف فى المواقف. ويعده العلماء من
الطبقة الأولى من التابعين، ولبعضهم رأى حسن فيه مع أخذهم
عليه ميله إلى حياة اللهو فى صدر شبابه، فلقبه «الليث بن
سعد» فقيه «مصر» الكبير بلقب «أمير المؤمنين»، وقال عنه
«ابن كثير»: «وقد كان فى يزيد خصال محمودة من الكرم
والفصاحة والشعر والشجاعة، وحسن الرأى فى الملك، وكان ذا
جمال، حسن المعاشرة». ومنذ أن عزم أبوه على توليته الخلافة
بعده أخذ يحمله على الجد والحزم، وترك حياة اللهو والترف،
استعدادًا لتولى هذا المنصب الجليل، وعهد إليه بالقيام بالمهام
الصعبة، فأرسله على رأس الحملة العسكرية التى وجهها فى
سنتى (49 - 50 هـ) لحصار القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية
، وكان تحت قيادته بعض كبار الصحابة. كان «يزيد» غائبًا عن
«دمشق» عند وفاة أبيه فى رجب سنة (60هـ)، فأخذ البيعة له
«الضحاك بن قيس»، ولما حضر جاءته الوفود وأمراء الأجناد،
لتعزيته فى أبيه وتهنئته بالخلافة وتجديد البيعة له. وقد ترسَّم
«يزيد» خطى أبيه، واستوعب وصيته له التى توضِّح له معالم
طريقه السياسى، وتبيِّن له كيفية التعامل مع المشكلات وأحوال
الرعية، وهذه الوصية تُعدُّ من أهم الوثائق السياسية فى فن
الحكم وإدارة الدول. حافظ «يزيد» على سلامة الدولة وهيبتها،
وحمى حدودها، واستمرت حركة الفتوحات فى عهده، فوصل
«عقبة بن نافع» إلى شواطئ «المحيط الأطلسى»، مخترقًا
الشمال الإفريقى كله، وعبرت طلائع الفتح نهر «جيحون» لفتح