من غير تكليف، وهو لم يخلقهم عبثا وإنما خلقهم، ليجعلهم خلفاءه في أرضه.
وقد ذكرت هذه السورة بعد سورة المائدة، لأنها من الطوال مثلها، ولأنه ذكر فيها كثير من أحكام الحلال والحرام، كما ذكر في سورة المائدة.
قال الله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1) ، فذكر سبحانه أنه المستحق للحمد، لأنه الذي خلق السماوات والأرض، وجعل الظلمات والنور، واستبعد مع هذا أن يسوّي به المشركون أصنامهم التي لا تقدر على هذه الأشياء العظيمة ثم استدل على توحيده أيضا بخلقه الإنسان من طين، وبكونه لا يغيب عن علمه شيء في السماوات والأرض، وما يعمله الناس في سرهم وجهرهم، وما يكسبون من خير وشر ثم ذكر أن النبي (ص) لا يأتيهم بآية من ذلك تدلّ على نبوّته، إلا أعرضوا عنها وكذّبوا واستهزءوا بها وأنه سوف يأتيهم أنباء ما يستهزئون به، فيأخذهم بعذابه كما أخذ كثيرا من قرون قبلهم مكّنهم في الأرض ما لم يمكّن لهم ثم ذكر أنه بلغ من تعنّتهم على النبي (ص) أنه لو نزّل سبحانه وتعالى عليه كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) .
ثمّ قال تعالى: وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ (8) فذكر أنهم كانوا يقولون، تعنّتا واستهزاء، إنه لو كان نبيا لأنزل عليه ملك يصدّقه في ما يدعو إليه من التوحيد والنبوة وقد أجابهم تعالى بأنه لو أنزل عليه ملكا ولم يؤمنوا به لعجّل بإهلاكهم، وهو لا يريد ذلك لهم، وبأنه لو أنزل ملكا لجعله في صورة البشر ليروه ويسمعوا كلامه، فلا يصدقون أنه ملك، ويعودون إلى اقتراح ما اقترحوه ثم ذكر أن تعجيل الإهلاك هو ما جرت به سنّته في الأمم التي كانت تقترح الآيات على رسلها تعنّتا واستهزاء، ثم لا يؤمنون بها