المستقيم «1» . وتكررت في البقرة آية:
قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ [الآية 136] بكمالها، ولذلك أيضا ذكر في هذه ما هو تال لما ذكر في تلك، أو لازم في تلك، أو ملازم له.
فذكر هناك خلق الناس، وذكر هنا تصويرهم في الأرحام «2» . وذكر هناك مبدأ خلق آدم، وذكر هنا مبدأ خلق أولاده «3» . وألطف من ذلك: أنه افتتح البقرة بقصة آدم حيث خلقه من غير أب ولا أم، وذكر في هذه نظيره في الخلق من غير أب، وهو عيسى (ع) «4» ، ولذلك ضرب له المثل بآدم، واختصت البقرة بآدم، لأنها أول السور، وآدم أول في الوجود وسابق، ولأنها الأصل، وهذه كالفرع والتتمة لها، فمختصة بالإعراب [والبيان] .
ولأنها خطاب لليهود الذين قالوا في مريم ما قالوا، وأنكروا وجود ولد بلا أب، ففوتحوا بقصة آدم، لتثبت في أذهانهم، فلا تأتي قصة عيسى إلا وقد ذكر عندهم ما يشبهها من جنسها.
ولأن قصة عيسى قيست على قصة آدم في قوله: كَمَثَلِ آدَمَ [الآية 59] . والمقيس عليه لا بد من أن يكون معلوما، لتتم الحجة بالقياس، فكانت قصة آدم والسورة التي هي فيها جديرة بالتقدم.
ومن وجوه تلازم السورتين: أنه قال في البقرة في صفة النار: أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ [الآية 24] ، ولم يقل في الجنة: أعدت للمتقين مع افتتاحها بذكر المتقين والكافرين معا «5» ، وقد ورد ذلك في سورة آل عمران بقوله جل وعلا: وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) . فكأن السورتين بمنزلة سورة واحدة.