وقد أخذ الله العهد على الرسل أن يصدق بعضهم بعضا في الحق ودعوة الناس إليه، وأن يصدق السابق منهم اللاحق. قال تعالى:
وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81) .
هذا هو العهد الذي حفظه عيسى (ع) وتوفّي عليه، وسيجيب به ربه يوم القيامة، وسيتبرأ المسيح عليه السلام ممن عبده أو اتخذه إلها.
وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ [المائدة] .
أبرزت سورة آل عمران وحدة الدين عند الله وكررت هذه الحقيقة على لسان رسله جميعا:
نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ [الآية 3] .
قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84) .
وتقرر أن هذا هو الدين الذي جاء من عند الله:
وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (85) .
ثم تتجه السورة إلى الذين غلبت عليهم شقوتهم فحاربوا الله في دينه، وأعرضوا عن رسله، وأخذوا يناوئون الحق على وضوحه، فتذكر كثيرا من أساليب ضلالهم، وألوان شبههم، التي كانوا يعززون بها مراكزهم، ويحاولون بها فتنة المؤمنين عن دينهم، حسدا وبغيا لا طلبا للحق، ولا التماسا للهدى.