أحدهما: تقرير الحق في قضية العالم الكبرى وهي مسألة الألوهية، وإنزال الكتب وما يتعلق بها من أمر الوحي والرسالة، وبيان وحدة الدين عند الله.
والثاني: تقرير العلّة التي من أجلها ينصرف الناس في كل زمان ومكان عن التوجه إلى معرفة الحق والعمل على إدراكه والتمسك به «1» .
ولقد بدأت السورة بتقرير الأمر الأول فذكرت وحدانية الله، وأنه وحده هو الحي الذي لا يدركه الفناء، القيّوم الذي له الهيمنة والتدبير والقيام على شؤون الخلق بالإيجاد والتربية الجسمية والعقلية والإعزاز والإذلال. وقرّرت، في سبيل ذلك، علمه المحيط وقدرته النافذة القاهرة:
اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ.
إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (5) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (6) .
قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (27) .
تقرر السورة هذا في كثير من أمثال هذه الآيات ثم تؤكد اصطفاء الله لبعض خلقه:
رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ [النساء/ 165] .
يعرفون مهمتهم التي كلفهم الله إياها، وهي دعوة الخلق إلى الحق، وأنّهم أعقل وأحكم من أن يقولوا للناس اتخذونا آلهة من دون الله:
ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) .