إن قيل: ما الحكمة في تقديم الموت على الحياة في قوله تعالى:
الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ [الآية 2] .
قلنا: إنما قدّم سبحانه الموت لأنه هو المخلوق أوّلا. قال ابن عبّاس رضي الله عنهما: أراد به خلق الموت في الدنيا، والحياة في الاخرة ولو سلّم أنّ المراد به الحياة في الدنيا، فالموت سابق عليها، لقوله تعالى:
وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ [البقرة: 28] .
فإن قيل: لم قال تعالى: ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ [الآية 3] ، مع أنّ في خلقه سبحانه تفاوتا عظيما، فإنّ الأضداد كلّها من خلقه عزّ وجلّ، وهي متفاوتة، والسماوات أيضا متفاوتة في الصغر والكبر والارتفاع والانخفاض، وغير ذلك؟
قلنا: المراد بالتفاوت هنا الخلل والعيب والنقصان في مخلوقه تعالى، ويؤيّده قوله تعالى: فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ (3) أي: من شقوق وصدوع في السماء. فإن قيل: لم قال تعالى: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ [الآية 16] والله سبحانه وتعالى ليس في السماء ولا في غير السماء، بل هو سبحانه منزّه عن كل مكان؟
قلنا: من ملكوته في السماء، لأنها مسكن ملائكته ومحل عرشه وكرسيّه واللوح المحفوظ، ومنها تنزّل أقضيته وكتبه وأوامره ونواهيه.