يتحاجّون في النار، وإذا حوار بين الضعفاء والذين استكبروا، وحوار لهم جميعا مع خزنة جهنّم يطلبون فيه الخلاص، ولات حين خلاص وفي ظل هذا المشهد يوضح الحق سبحانه أن العاقبة للمرسلين في الدنيا ويوم القيامة، فقد نصر الله موسى رغم جبروت فرعون ثم يدعو الرسول الأمين إلى الصبر والثقة بوعد الله الحق، والتوجه إلى الله بالتسبيح والحمد والاستغفار.
يستغرق الفصل الثالث من الآية [56- 77] ويبدأ بتقرير أن الذين يجادلون في آيات الله بغير حجة ولا برهان إنما يدفعهم إلى هذا كبر في نفوسهم عن الحق، وهم أصغر وأضأل من هذا الكبر ويوجّه القلوب حينئذ إلى هذا الوجود الكبير الذي خلقه الله جلت قدرته وهذا الوجود أكبر من الناس جميعا، لعلّ المتكبّرين يتصاغرون أمام عظمة خلق الله، وتتفتّح بصيرتهم فلا يكونون عميا:
وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا ما تَتَذَكَّرُونَ (58) .
ويذكّر هذا الفصل الناس بمجيء الساعة، ثم يفتح الباب أمامهم إلى دعاء الله سبحانه والاستجابة لأمره ويبيّن لهم أنّ الذين يستكبرون عن عبادته تعالى سيدخلون جهنّم أذلاء صاغرين. ويعرض هذا القسم في هذا الموقف بعض آيات الله الكونية التي يمرون عليها غافلين، يعرض عليهم الليل وقد جعله الله سكنا، والنهار مبصرا، والأرض قرارا والسماء بناء، ويذكرهم بأنفسهم وقد صورهم، ويوجههم إلى دعوة الله مخلصين له الدين. وفي هذا القسم عينه، يأمر الله تعالى رسوله (ص) أن يبرأ من عبادة الذين يدعون من دون الله سبحانه، وأن يعلن إسلامه لرب العالمين ثم يؤكّد السياق أنّ الله الواحد هو الذي أنشأهم من تراب ثم من نطفة، وهو الذي يحيي ويميت. ثم يلفت الحقّ تعالى رسوله (ص) إلى أمر الذين يجادلون في الله، وينذرهم عذاب يوم القيامة في مشهد عنيف، تعلق فيه الأغلال في أعناقهم، ويسحبون في الحميم، ويحرقون في النار جزاء كفرهم