استعارة. وقد اختلف في المراد بالجنب هاهنا. فقال قوم: معناه في ذات الله.
وقال قوم: معناه في طاعة الله، وفي أمر الله. لأنه ذكر الجنب على مجرى العادة في قولهم: هذا الأمر مغال في جنب ذلك الأمر أي في جهته. لأنه إذا عبّر عنه بهذه العبارة دل على اختصاصه به من وجه قريب من معنى صفته.
وقال بعضهم: معنى فِي جَنْبِ اللَّهِ أي في سبيل الله، أو في الجانب الأقرب إلى مرضاته، بل الأوصل إلى طاعاته.
ولمّا كان الأمر كلّه يتشعّب إلى طريقين: إحداهما هدى ورشاد، والأخرى غيّ وضلال، وكلّ واحد منهما مجانب لصاحبه، أو هو في جانب، والاخر في جانب، وكان الجنب والجانب بمعنى واحد، حسنت العبارة هاهنا عن سبيل الله بجنب الله، على النحو الّذي ذكرناه.
وقوله تعالى: لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الآية 63] وهذه استعارة.
والمقاليد: المفاتيح. قال أبو عبيدة:
واحدها مقليد، وواحد الأقاليد إقليد.
وهما بمعنى واحد وقال غيره: واحدها قلد على غير قياس.
وقال أبو عمرو بن العلاء (?) : وجهه في العربية أن يكون الواحد على لفظ مقلد، ثم تجمع على «مقالد» فمن شاء أن يشبع كسرة اللام قال: «مقاليد» كما قالوا: درهم ودراهيم.
قال: وسمعت أبا المنذر يقول:
واحد المفاتيح مفتاح. وواحد المفاتح مفتح والمعنيان جميعا واحد.
والمراد بمقاليد السماوات والأرض هاهنا، والله أعلم، أي مفاتيح خيراتهما، ومعادن بركاتهما، من إدرار الأمطار، وإيراق الأشجار، وسائر وجوه المنافع، وعوائد المصالح.
وقد وصف سبحانه السماء في عدة مواضع بأنّ لها خزائن وأبوابا، فحسن على مقتضى الكلام أن توصف بأن لها مقاليد وأغلاقا.
قال سبحانه: لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ [الأعراف: 40] وقال تعالى: