ممّا كتبه فلان بيده وبيمينه، ورأيت فلانا بعيني، وسمعت هذا الحديث بأذني، ونحو ذلك.
فإن قيل: لم لم يؤكّد سبحانه وتعالى في التلاوة، ولم يقل: «وما كنت تتلو من قبله من كتاب بلسانك» ؟
قلنا: الأصل في الكلام عدم الزيادة، وكلّ ما جاء على الأصل لا يحتاج إلى العلّة، إنما يحتاج إلى العلة ما جاء على خلاف الأصل.
فإن قيل: لم قال تعالى: وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا [الآية 69] ، ومعلوم أنّ المجاهدة في دين الله تعالى، أو في حقّ الله تعالى، مع النفس الأمّارة بالسوء، أو مع الشيطان أو مع أعداء الدين، ذلك كله إنّما يكون بعد تقدّم الهداية من الله تعالى، فلم جعلت الهداية من ثمرات المجاهدة؟
قلنا: معناه: والذين جاهدوا في طلب التعلّم، لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا، بمعرفة الأحكام وحقائقها. وقيل معناه: لنهدينّهم طريق الجنة. وقيل معناه: والذين جاهدوا لتحصيل درجة لنهدينّهم إلى درجة أخرى أعلى منها، وحاصله لنزيدنّهم هداية وتوفيقا للخيرات، كقوله تعالى: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً [محمد: 17] وقوله تعالى:
وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً [مريم: 76] . وقال أبو سليمان الداراني رحمة الله عليه: معناه: والذين جاهدوا فيما علموا، لنهدينّهم إلى ما لم يعلموا. وعن بعض الحكماء: من عمل بما علم، وفّق لما لا يعلم.
وقيل: إن الذي نرى من جهلنا بما لا نعلم، هو من تقصيرنا فيما نعلم..