إلى إبراهيم (ع) .
فإن قيل: لم قال تعالى: أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ [الآية 34] ولم يقل: أهل هذه القرى؟ مع أن مدائن قوم لوط كانت خمسا، فأهلكوا منها أربعا؟
قلنا: انّما اقتصر سبحانه في الذّكر على قرية واحدة، لأنها كانت أكبر وأقرب، وهي سدوم مدينة لوط (ع) ، فجعل ما وراءها تبعا لها في الذكر.
فإن قيل: لم قال الله تعالى: وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ [الآية 38] ، أي ذوي بصائر؟
يقال: فلان مستبصر، إذا كان عاقلا لبيبا صحيح النظر. ولو كانوا كذلك، لما عدلوا عن طريق الهدى، إلى طريق الضلال؟
قلنا: معناه: وكانوا مستبصرين في أمور الدنيا، وقيل معناه: وكانوا عارفين الحق بوضوح الحجج والدلائل، ولكنهم كانوا ينكرونه متابعة للهوى، لقوله تعالى: وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا [النمل: 14] . وقيل:
معناه: وكانوا مستبصرين لو نظروا نظر تدبّر وتفكّر.
فإن قيل: لم قال تعالى: وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ [الآية 41] ، وكل أحد يعلم أن أضعف بيوت يتخذها الهوامّ بيت العنكبوت؟
قلنا: معناه لو كانوا يعلمون، أنّ اتخاذهم الأصنام أولياء من دون الله، مثل اتخاذ العنكبوت بيتا، لما اتّخذوها.
فإن قيل: لم قال تعالى: وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ [الآية 46] ، وأهل الكتاب كلهم ظالمون لأنهم كافرون، ولا ظلم أشدّ من الكفر، ويؤيده قوله تعالى وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة: 254] ؟
قلنا: أوّلا المراد بالظلم هنا الامتناع عن قبول عقد الذّمّة، وأداء الجزية، أو نقض العهد بعد قبوله. ثانيا: أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ [التوبة: 29] .
فإن قيل: ما الحكمة في قوله تعالى: وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ [الآية 48] ؟
قلنا: الحكمة فيه تأكيد لنفي، كما يقال في الإثبات للتأكيد: هذا الكتاب