المراد أنّ العصبة أولي القوة تنوء بتلك المفاتح، أي تنهض بها نهضا متثاقلا، لكثرة أعدادها، وثقل اعتمادها ولكن لما كانت هي السبب في نوء تلك العصبة بها، على التثاقل من نهضها، كانت كأنّها هي التي تنوء بالعصبة، أي تحوجها إلى النهوض، على تلك الحال من المشقّة.
وقوله تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [الآية 88] .
وهذه استعارة والوجه هاهنا عبارة عن ذات الشيء، ونفسه وعلى هذا قوله تعالى في السورة التي يذكر فيها الرحمن سبحانه: وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (27) [الرحمن] ، أي ويبقى ذات ربك ومن الدليل على ذلك رفع «ذو» في قوله تعالى ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (27) : لأنه صفة للوجه، الذي هو الذات، ولو كان الوجه هاهنا بمعنى العضو المخصوص، على ما ظنّه الجهال، لكان وجه الكلام أن يكون:
«ويبقى وجه ربك «ذي» الجلال والإكرام» ، فيكون «ذي» صفة للجملة، لا صفة للوجه الذي هو التخاطيط المخصوصة كما يقول القائل: «رأيت وجه الأمير ذي الطّول والإنعام» ، ولا يقول ذا لأنّ الطّول والإنعام من صفات جملته، لا من صفات وجهه. ويوضح ذلك قوله تعالى في هذه السورة:
تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (78) [الرحمن] ، لمّا كان الاسم غير المسمّى، وصف سبحانه المضاف إليه ولمّا كان الوجه في الآية المتقدّمة، هو النفس والذات، قال تعالى ذُو الْجَلالِ ولم يقل «ذي الجلال والإكرام» ويقولون عين الشيء ونفس الشيء على هذا النحو، وقد قيل في ذلك وجه آخر، وهو أن يراد بالوجه هاهنا، ما قصد به من العمل الصالح، والمتجر الرابح، على طريق القربة وطلب الزلفة «1» .
وعلى ذلك قول الشاعر:
أستغفر الله ذنبا لست محصيه ربّ العباد إليه الوجه والعمل أي اليه تعالى، قصد الفعل الذي يستنزل به فضله، ودرجات عفوه فأعلمنا سبحانه أنّ كل شيء هالك إلا وجه دينه، الذي يوصل إليه منه، ويستزلف عنده به، ويجعل وسيلة إلى رضوانه، وسببا لغفرانه.