وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ماذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (65) ، ثم قال تعالى: فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ [الآية 66] والمعنى أنهم إذا سئلوا في الاخرة عمّا أجابوا به أنبياءهم في الدنيا، لجلجلوا «1» المقال، وأخطئوا الجواب، ولم يعلموا ما يقولون، ولا عمّا يخبرون فكأنّ الأنباء التي هي الأخبار عميت عليهم، فكانوا لا يوجّهون كلاما إلّا ضلّ عن طريق الحقّ، ولا يخبرون خبرا إلّا كان قاصرا عن غرض الصّدق، كالأعمى الذي لا يهتدي لقصد، ولا يقوم على نهج، وكأنهم حادوا عن الجواب لانسداد طرق الأنباء عليهم ولم يتساءلوا، فيستخبر بعضهم بعضا عن ذلك، علما منهم بقيام الحجّة عليهم، وعموم الحيرة لجميعهم وقد يجوز أن يكون لقوله تعالى فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ وجه آخر، هو أن يكون ذلك على معنى قول القائل: خرّبت عليّ داري، وموّتّ عليّ إبلي. أي خربت هذه، وموّتّ هذه، وجاءت لفظة عليّ هاهنا لاختصاص الضرر بصاحب الدار والإبل فيكون المعنى: أن الأخبار عميت في نفوسها، أي لم تهتد إلى صدق، ولم تنفذ في حقّ، وقيل عليهم لاختصاص ضرر ذلك بهم، لأنّ الحجّة لزمتهم، والاحتجاج قعد بهم.
ومثل ذلك قوله سبحانه في هذه السورة: وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ [الآية 75] ، لأنّ ضلال افترائهم في معنى عمى أنبائهم. ومن الكنايات العجيبة عن الدعاء على قوم بعمى العيون، قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ، في كلام له يخاطب بعض أصحابه: «مالكم «2» لا سددتم لرشد، ولا هديتم لقصد» فكأنه (ع) ، قال لهم مالكم أعمى الله عيونكم، وقد ذكرنا هذا الكلام بتمامه، في كتابنا الموسوم (بنهج البلاغة) ، وهو المشتمل على المختار من كلام أمير المؤمنين (ع) ، في جميع أقسامه، ومرامي أغراضه.
وقوله تعالى: وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ [الآية 76] .
وهذه الاستعارة على القلب، لأن