فوعد بفلاح المؤمنين على سبيل التحقيق والتأكيد، وذكر، من الصفات التي يتوقف عليها فلاحهم، أنهم في صلاتهم خاشعون، إلى غير هذا مما ذكره من صفاتهم ثم ذكر سبحانه أنهم، بهذه الصفات، إنما يرثون جنّة الفردوس التي أعدّت لهم، فيفوزون بها في الدنيا والاخرة ثم ذكر من أدلة ألوهيّته، عز وجلّ، ما يثبت قدرته على تحقيق وعده بذلك في الدنيا، وقدرته على بعثهم بعد موتهم ليحقّ لهم ما وعدهم به في الاخرة فذكر سبحانه أنه خلق الإنسان من سلالة من طين، ثم جعله نطفة فعلقة، فمضغة، إلى أن أنشأه خلقا آخر يتكلّم ويعقل ثم ذكر أنه خلق فوقنا سبع سماوات، وأنزل من السماء ماء بقدر، إلى أن ذكر خلق الأنعام وقال فيها:
عَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ
(22) .
ثم قال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (23) ، فذكر، من أخبار بعض الرسل، ما يثبت أيضا وعده بفلاح المؤمنين، فذكر خبر نوح مع قومه، وأنهم كذّبوه، وقالوا مرّة كما ورد في التنزيل: ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ [الآية 24] . ومرة أخرى إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ [الآية 25] ، فطلب منه أن ينصره عليهم، فأمره أن يصنع فلكا، ويحمل فيها أهله إلّا من سبق عليه القول منهم، ونهاه أن يخاطبه فيمن سيغرقه بالطوفان من أعدائه ثم ذكر أن في ذلك لآيات على نصره للمؤمنين، وأن من شأنه أن يعاقب المكذّبين.
ثم ذكر سبحانه أنه أنشأ من بعد قوم نوح قرنا آخرين، قيل هم عاد قوم هود، وقيل هم ثمود قوم صالح وأنه أرسل فيهم رسولا، ليأمرهم بعبادته وحده، فكذّبوه لأنه بشر مثلهم، وأنكروا ما أخبرهم به من بعثهم بعد موتهم ثم ذكر أنه طلب منه أن ينصره عليهم، فأخذهم بالصيحة فأهلكهم.
ثم ذكر، جلّ شأنه، أنه أنشأ من بعدهم قرونا آخرين، وأنه أرسل رسله تترى، رسولا بعد رسول، فكذّبت كلّ أمة رسولها، فأهلكهم أمّة بعد أمة. ثم ذكر سبحانه أنه أرسل موسى وهارون (ع) إلى فرعون وقومه، وأنهم