وتفرّقهم في الطرائق، مع أنّ أصلهم واحد، وخالقهم واحد، بقوم كانت بينهم وصائل متناسجة، وعلائق متشابكة، ثمّ تباعدوا تباعدا قطع تلك العلائق، وشذّب تلك الوصائل، فصاروا أخيافا «1» مختلفين، وأوزاعا «2» مفترقين.

وقوله سبحانه: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ (98) هذه استعارة، لأنّ الحصب هو ما يرمى به من الحصباء، وهي الحصى الصّغار.

يقال: حصب فلان فلانا، إذا قذفه بالحصى. ويقولون: حصبنا الجمار، أي قذفنا فيها بالحصبات، فشبّه، سبحانه، قذفهم في نار جهنم، بالحصباء التي يرمى بها من ذلّ مقاذفهم، وهوان مطارحهم.

وفي ذلك أيضا معنى لطيف، وهو أنّه سبحانه لما قال: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ والمراد هاهنا، والله أعلم، ب وَما تَعْبُدُونَ: الأصنام، والأغلب عليها أن تكون من الحجارة، حسن أن يسمّى الرمي بها في نار جهنم حصبا وتسميتها حصبا إذ كانت حجارة، ومن جنس الحصباء، وجاز أن يسمّى قذف العابدين لها في النار أيضا بذلك، حملا على حكمها، وإدخالا في جملتها.

والفائدة في قذف الأصنام مع عابديها في نار جهنّم، أن يكون من زيادات عقابهم، ورجحانات عذابهم، لأنّهم إذا كثرت مشاهدتهم لها في أحوال العذاب، كان ذلك أعظم لحسرتهم على عبادتها، وندمهم على الدّعاء إليها.

وقد قيل أيضا: إنّها إذا حميت بوقود النار، نعوذ بالله منها، لصقت بأجسامهم، فكانت من أقوى أسباب الإيلام لهم. وعلى هذا التأويل، حمل جماعة من المفسّرين، قوله تعالى:

فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (24) [البقرة] .

وقوله سبحانه: يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ [الآية 104] .

وهذه استعارة والمراد بها على أحد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015