وفي هذه الآية استعارتان: أولاهما قوله تعالى:
أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها والسرداق هو الفسطاط المحيط به. فوصف- سبحانه- النار بالإحاطة والاشتمال فلا ينجو منها ناج، ولا يطلق منها عان. وذلك كقوله تعالى: وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً (8) [الإسراء] أي حبسا تحصرهم، وطولا تقصرهم، ومثل قوله سبحانه أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها قوله: إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9) [الهمزة] والمؤصدة:
المغلقة المطبقة. من قولهم أوصدت الباب وأصّدته «1» . إذا أغلقته وأطبقته.
وقرئ: عمد وعمد. والمراد بقوله سبحانه: فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9) مثل المراد في قوله: أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها تشبيها بتمديد الأخبية والسرادقات بالأطناب، وإقامتها على الأعماد.
والاستعارة الأخرى قوله تعالى:
وَساءَتْ مُرْتَفَقاً (29) والمرفق:
المتّكأ، وهو ما يعتمد عليه بالمرفق، ومنه المرفقة وهي المخدّة. وذلك نظير قوله سبحانه: وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (18) [الرعد: 18] «2» فلما جاء سبحانه بذكر السرادق جاء بذكر المرافق، ليتشابه الكلام.
وروي عن بعضهم أنه قال: معنى مرتفقا، أي مجتمعا، كأنه ذهب إلى معنى: وساءت مرافقه. والمرافقة لا تكون إلا بالاجتماع جماعة. وهذا القول يخرج الكلام عن حدّ الاستعارة، فيدخله في باب الحقيقة. والوجه الأول أقوى. ويشهد له قوله سبحانه:
مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (31) فجاء بذكر الارتفاق لمّا قدّم ذكر الاتكاء. وهذا أوضح مشاهد.
وقوله سبحانه: كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً [الآية 33] .
وهذه استعارة. لأن الظلم هاهنا ليس على أصله في اللغة، ولا على عرفه في الشريعة. لأنه في اللغة اسم لوضع