بإلهام من الفطرة التي أودعها إيّاها الخالق، وهذا الإلهام لون من الوحي تعمل النحل بمقتضاه، وهي تعمل بدقة عجيبة، يعجز عن مثلها العقل المفكّر، سواء في بناء خلاياها، أو في تقسيم العمل بينها، أو في طريقة إفرازها للعسل المصفّى.
وهي تتّخذ بيوتها حسب فطرتها، في الجبال والشجر، وما يعرشون أي ما يرفعون من الكروم وغيرها، وقد ذلّل الله لها سبل الحياة، بما أودع في فطرتها، وفي طبيعة الكون حولها، من توافق، قال تعالى:
وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69) .
وقد سئل الإمام الشافعي بم عرفت الله؟ قال بالنحلة نصفها يعسل، ونصفها يلسع، وفي الحديث: المؤمن كالنحلة. أي أنه خفيف الظل مترفّع في هدفه، لا يأكل إلا طيّبا، ولا يترك إلا أثرا حسنا، وإذا وقع على شيء لم يكسره. وتستمر الآيات في عرض أدلّة القدرة الإلهية، فتذكر أن الله يخلق الناس، ويتوفّاهم، ويؤجّل بعضهم، حتى يشيخ فينسى ما تعلّمه، ويرتدّ ساذجا لا يعلم شيئا، والله فضّل بعضهم على بعض في الرزق، والله جعل لهم من أنفسهم أزواجا وجعل لهم من أزواجهم بنين وحفدة، وهم، بعد هذا كله، يعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا في السماوات والأرض، ويجعلون لله الأشباه والأمثال.
هذه اللّمسات كلّها في أنفسهم وفي ما حولهم. يوجههم إليها، لعلّهم يستشعرون القدرة، وهي تعمل في ذواتهم، وفي طعامهم، وفي شرابهم، وفي كل شيء حولهم. وفي كل شيء له آية تدلّ على أنه الواحد جلّ جلاله.
تتحدث الآيات [77- 89] في سورة النحل، عن مظاهر القدرة الإلهية، فتوضح عظمة الخالق، وفيض نعمته، وإحاطة علمه. وتركّز الآيات في هذا الشوط على قضية البعث، والساعة أحد أسرار الغيب، الذي يختص الله بعلمه، فلا يطلع عليه أحدا.