بذلها ما داموا على كفرهم- إذ لا ثواب للكافرين- والآيتان هما قوله عز وجل: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (39) أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ (?).
وهذان المثالان من آيتى النور لهما مكانة خاصة ومقام متميز بين مثيلتهما من الآيات التى تمثل أعمال الكفار وطبيعتهم- أستغفر الله فكلام الله جميعه على أوفى صورة من التميز- ولكن هاتين الآيتين مسبوقتان بأربع آيات جليلة ترشح للدخول إليهما، ثم تتبع الآيتين موضع التمثيل آيتان أخريان تمثلان خاتمتين إيمانيتين تمجدان الذات الإلهية وتحملان من يقرأها إلى مقاصد الرشاد وسبل الإيمان.
فأما الآيات الأربع السابقة على آيتى توصيف أعمال الكفار فهى قول الله- عز وجل- عن ذاته العلية فى أولاها: اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (36) رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (?).
إن الآية الأولى من هذه الآيات الأربع لو قرئت على شخص أمّى قد تغيب عنه معانى بعض ألفاظها فإن قلبه ينفتح لذكر نور الله إيمانا وطهرا، فما بالنا لو قرأها عالم بمعانيها وما تضمنته من إعجاز نورانى وبهاء إلهىّ، وأما الآيات الثلاث الأخرى فتجمع ثلة من عناصر الإيمان جمعها الله سبحانه فيها، مثل بيوت الله وهى المساجد ذات المقام الأسمى عند المؤمنين فيها يؤدون الصلوات ويسبحون بحمد ربهم، وهم الذين يسعون فى طلب الرزق حلالا عن طريق التجارة التى لا تلهيهم عن ذكر الله وأداء شعائره: إقامة صلاة وإيتاء زكاة وأمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ.