يقول الله عز وجل: هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ (12) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ. (?)
يقول ابن عباس (?) فى يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً أى: خوفا من الصواعق وطمعا فى الغيث الذى يعقب البرق فيحيى الأرض وينبت الزرع. وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ أنه تعالى شديد القوة والبطش والنكال، القادر على الانتقام ممن عصاه.
بعد هاتين الآيتين اللتين تجمعان بين الوعد والوعيد وإظهار نعم الله الخالق وقدرته على البطش بالكافرين، تجىء الآية التى تصف من لا يستجيبون لدعوته- سبحانه- وهى دعوة الحق لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ (14) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (?).
لقد ضلت أفئدتهم، وقست قلوبهم، وعميت أبصارهم وبصائرهم فلم يؤمنوا.
ومثل آخر يضربه الله سبحانه لأعمال الكفار التى قد يكونون قصدوا بفعلها الخير فى الدنيا؛ من صدقة مبذولة أو صلة ذى رحم وبيان أنه لا فائدة منها ما دام فاعلها أو فاعلوها عاشوا على الكفر والإشراك بالله، فمثلها مثل الرماد فى يوم عاصف ذهبت ريحه به فى الهواء، ومن ثم فإن أعمال الكفار لا يقبلها الله بل يمحقها كما تمحق الريح الرماد فى يوم اشتدت رياحه وهاجت عواصفه، يقول رب العزة جلّ ثناؤه: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (?).
ومن لطف الله ورحمته يتبع سبحانه هذه الآية- مثلما حدث مع مثيلات لها فى مثل هذا الموقف سبق لنا التمثل بها- بآية تحمل التوجيه الحميد وتهدى إلى الإيمان لو كانوا يعقلون، فيقول جل من قائل: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ.
ولكن القوم ضلت قلوبهم وقست أفئدتهم وعميت أبصارهم وبصائرهم فأصروا على الكفر ولم يهتدوا.
وفى سورة النور يضرب الله مثلين فى آيتين متتابعتين لأعمال الكفار التى لا طائل من وراء