ويشعر الإنسان بهذه الوسوسة فى صورة خواطر تزين له الإثم والمعصية، وتزين له الانحراف عن سواء السبيل، وقد تصوغ له ذلك بحجج مغرية. قال الله تعالى: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6) (الناس).
وقال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ (محمد: 25). أى:
غرهم بالأمانى والآمال فى وساوسه وتسويفاته، وهذا ما فعله مع آدم وحواء، إذ كانا فى الجنة فوسوس لهما فأخرجهما من الجنة.
فكيد الشيطان فى الإضلال كيد ضعيف، وبذلك وصفه الله بقوله إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً (النساء: 76).
الحقيقة الثالثة: تتلخص فى أن الله- تبارك وتعالى- جعل الشيطان فى حياة الإنسان لإقامة التوازن بين دوافع الخير ودوافع الشر والمحرضات عليهما، وليطرح الإنسان عليه قسما من مسئولية الخطيئة التى يقع بها، فيجد لنفسه عذرا بأن فعل الشر ليس من فطرته، وإنما كان بتأثير وساوس قرينه الشيطان الملازم له.
وبهذا لا تظل صورة الخطيئة القبيحة ماثلة فى نفس الإنسان، إذ يشعر بأن القبح فى العمل ليس من شأنه.
وهذا الشعور الذى يشعر به المخطئ، قد يساعده على تقويم نفسه، مستعيذا بالله من الشيطان، ساعيا فى التخلص مما علق به من أدناس المعاصى، كما يساعده على نسيان خطيئته إذا هو استغفر الله وتاب إليه؛ إذ من وسائل الإصلاح التربوى فتح باب العذر لمن نربيه إذا ارتكب الخطيئة، ولو عاقبناه عليها نظرا إلى مسئوليته، ذلك لنبقى له مجالا يحتفظ فيه بصورة الكمال التى يجب أن يتصورها الناس فيه، ولنبقى له مجالا للارتقاء فى مراتب الكمال الإنسانى.
وللتخلص من وساوس الشيطان وتسويفاته علاج دينى أرشدنا القرآن إليه، وهو الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (الأعراف: 200: 201).