وحيث يظن أنه لا يراقبه أحد، وحيث لا تراقبه رقابة قانونية بشرية، ولا تمتد إليه سلطة قضائية، ولا تردعه هيئة اجتماعية.
إن الحافز الذاتى الذى يولده الإيمان بالله واليوم الآخر قوة فوق كل القوى، إنه يقبض على زمام العقل بالحق والبرهان من الله، ويقبض على ناصية القلب بعاطفة محبة الله وابتغاء محبة الله وابتغاء رضاه والثقة بحكمته، ويقبض على زمام النفس بعاملى الخوف من عقاب الله والطمع بثوابه العظيم.
إنه يقود الإنسان ويسوقه من جميع أركانه الداخلية، فهو قوة عجيبة لا تدانيها قوة أخرى فى الوجود كله، ولكن مقدار قوتها فى داخل الفرد مناسب لمقدار قوة الإيمان فى قلبه زيادة ونقصانا، فكلما زادت نسبة قوة الإيمان زادت قوة هذا الحافز، وكلما نقصت هذه النسبة نقصت قوة الحافز فى نفس الفرد المسلم، وهذا الحافز فى مستواه الأعلى يوصل الإنسان إلى مرتبة الإحسان فى معظم أعماله، ويجعله من السابقين فى الخيرات بإذن الله.
إن الإيمان بالله واليوم الآخر وبقضاء الله وقدره يمثل الجذر الرئيسى لإصلاح الإنسان من أعمق كيانه الداخلى، وعليه تتجمع جذور النفس الإنسانية كلها، وذلك لأن الإنسان متى أيقن بالله حق اليقين، غدا متعطشا لبلوغ كمالاته بسرعة، ومطمئنا إلى أن الله هو العليم الحكيم، الذى يعلم أين يكون الخير، ويعلم أين يكون الشر، وهو بعباده رءوف رحيم، ينزل بهم ما يقتضيه خيرهم، ويرشدهم إلى ما فيه خيرهم وسعادتهم، فيأخذ وصايا الله بالتسليم التام، ويلتزمها التزاما صادقا، قبل أن يعرف بالتفصيلات الجزئية والحجج والبراهين ما فى كل فرد من أفرادها من خيرات ومصالح وثمرات كريمة.
هذه الثقة بالله القائمة على اليقين به لا تعادلها ثقة أخرى فى الوجود، علما بأن الثقة من حيث ذاتها سائق يسوق الإنسان إلى الاتباع والطاعة والرضا والتسليم، دون شعور بعقبة من عقبات المعارضة النفسية.
نحن نلاحظ فى واقعنا الإنسانى، أننا متى وثقنا بإنسان- بعد أن خبرنا فيه نضج التفكير والتدبير وصدق النصيحة- سلّمنا له من غير أن نطالبه بالحجة، مع أن ثقتنا به- مهما عظمت- لا تبلغ درجة الاعتقاد بعصمته عن الخطأ، ولكننا نرجح أن صوابه أكثر من خطئه.
فكيف بمن نعتقد به كمال العصمة، ونحن موقنون بأنه رءوف رحيم، يحب لنا الخير ويكره لنا الشر؟
لذلك فالنفوذ إلى أعماق النفس الإنسانية بعناصر الإيمان الأساسية، يوجد فى الإنسان