حسد، ولأن فيه إبهاما خاصا ستعلم حكمته بعد قليل، يعوذ برب الفلق من شر ما خلق، هكذا بالتنكير وبما الموصولة الشاملة، وفى هذا التنكير والشمول، يتحقق الغموض، والظلام المعنوى فى العموم، «ومن شر غاسق إذا وقب»، الليل حين يدخل إلى كلّ شىء وحين يمسى مخوفا مرهوبا، «ومن شر النفاثات فى العقد»، وجوّ النفث فى العقد من الساحرات والكواهن كله رهبة وخفاء وظلام، بل هنّ لا ينفثن غالبا إلا فى الظلام، «ومن شر حاسد إذا حسد»، والحسد انفعال باطنى مغمور فى ظلام النفس، غامض مرهوب كذلك، فالجوّ كله رهبة وغموض، وهو يستعيذ من هذا الظلام بالله، والله رب كل شىء، فلماذا خصصه بالفلق، لينسجم مع جو الصورة كلها، ويشترك فيه، وكان المتبادر للذهن أن يعوذ من الظلام برب النور، ولكنّ الذهن ليس هنا المحكّم- إنما المحكم هنا آلة التصوير الدقيقة فالنور يكشف الغموض المرهوب، ولا يتسق مع جو الغسق والنفث فى العقد، ولا مع جو الحسد، والفلق يؤدى معنى النور من الوجهة الذهنية، ثم يتسق مع الجو العام من الوجهة التصويرية، التى تجمع بين النور والظلمة، ولها جوّها الغامض المسحور.
ثم ما أجزاء الصورة هنا؟ أو محتويات المشهد، هى من ناحية الفلق والغسق مشهدان من مشاهد الطبيعة، ومن ناحية النفاثات فى العقد والحاسد إذا حسد مخلوقان آدميّان ...
فالجو قائم على أساس من هذه الوحدة فى الأجزاء والألوان، وليس فى هذا البيان شىء من التمحل، وليست هذه الدقة بلا هدف، وليس الهدف حلية عابرة، فالمسألة ليست مسألة ألفاظ، أو تقابلات ذهنية، وإنما هى مسألة لوحة وجو وتنسيق، وتعاملات تصويرية تعدّ فنا رفيعا من التصوير يلفت النظر إذا أداه مجرد التعبير (?).
هذا النص يدل على كثير غيره، بل هناك ما هو أجود منه فى التحليل الأدبى وبخاصة فيما كتبه الأستاذ عن القصة القرآنية فقد جاء كلامه رائعا فائقا غير مسبوق.
ومما أخذ على الأستاذ أنه اعتبر الأداء الوجدانى هو سرّ الإبداع فى الإعجاز، وقد عارضه الأستاذ عبد المنعم خلاف فوضّح أن المنطق العقلى جناح آخر للإعجاز، وهذا ما وافق عليه الأستاذ قطب مؤكدا أنه لم يغفل جانب المنطق، ولكن هذا الجانب لا يأتى جافا كما فى كتب العلوم بل يضيء بشعاع التصوير الأدبى فلا خلاف (?) وقد ظهر هذا الاتجاه