عقولهم، فلا غنى لك إذا أردت أن تعطى كلتا الطائفتين حظها من كمال بيانك أن تخاطب كل واحدة منها بغير ما تخاطب به الأخرى، فأما أنّ جملة واحدة تلقى إلى العلماء والجهلاء، وإلى الأذكياء والأغبياء، وإلى السوقة والملوك، فيراها كل منهم مقدرة على قياس عقله، وعلى وفق حاجته، فذلك ما لا تجده إلا فى كتاب الله.
أما الخاصية الرابعة، فهى (القصد فى اللفظ والوفاء بحق المعنى) فقد جلاها الدكتور أحسن تجلية واستشهد لها بآيات كريمة أحسن تحليلها وإيضاح مراميها، ولا يحسن تلخيص ما جاء به هنا، لأنّه يطفئ من نور الكتاب إذا أوجز واختصر، فليرجع القارئ إليه.
ولا بدّ من كلمة أقولها هى أن الدكتور رحمه الله- مبتكر مبدع فى أكثر ما انتحاه من التحليل، وبذلك أضاف كتابه ثروة طريفة للدراسات القرآنية الجادة، ثم هو بذلك يعطى المثل لمن يريد أن يبحث وجوها من الإعجاز القرآنى، إذ لا يقتصر على الترديد، بل يحاول أن يأتى بالجديد.
احتفل الشهيد سيد قطب بكتاب الله احتفالا تجلّى فى موسوعة (فى ظلال القرآن) وقد تواضع فذكر أنه يعيش فى الظلال فحسب، أى أنه لم يقدم تفسيرا يتجاوز الظلال إلى الأعماق، وهذا غير ما يحسّه قارئ الظلال، فقد كتبه الأستاذ بفكره وشعوره معا، شعوره المتقد بما نزل بالمسلمين من محن فى عهودهم الأخيرة، وفكره الوثّاب المشرئب لآفاق فسيحة يحلق فيها بقوته الخارقة.
وسأتجاوز كتاب الظلال فى حديث الإعجاز إلى كتاب (التصوير الفنى فى القرآن) لأنه ذو تنظير قاعدىّ يلتفت إلى جهات الإعجاز كما تصوّره، وهو يشترك مع الدكتور محمد عبد الله دراز فى شىء ملحوظ: هو أنّ كليهما يعتمد على ذهنه وروحه وإحساسه قبل أن يعتمد على مقررات الإعجاز فى الكتب السابقة، فالجديد الطريف لديهما
كثير.
تحدّث الأستاذ الشهيد عن تأثير القرآن فى نفسه وهو طفل صغير إذ أخذ فى مكتب القرية يحسّ بروعة تملك عليه أقطار نفسه