اختلاف الموقف، ولكنه من باب إرخاء العنان للمجادلة، على طريقة المتكلمين. تابع النظر فقال: وعلى افتراض اتحاد الموقف، فإن الله تعالى شبه العصا بالثعبان فى الآية الأولى لعظم الخلقة، وكبر الجسم، وهول المنظر، وشبهها فى الآية الثانية بالجان لسرعة الحركة والنشاط والخفة، فاجتمع لها نشاط الصغير وسرعة حركته مع هول الكبير وروعة منظره، وهذا أبهر فى باب الإعجاز، وأبلغ فى خرق العادة ولا تناقض معه لأن وجه الشبه مختلف فى الآيتين، ولا يجب أن يكون المشبه مماثلا للمشبه به فى كل الوجوه بل يحوز من الصفات ما يدل على شىء جامع لا على كل متفق. وكأن المرتضى فى نقاشه الجدلى لم يكتف بالرأيين السابقين بل عمد إلى رأى ثالث خلاصته أن المراد فى الآية بالجان هو أحد الجن لا الحية الصغيرة، فكأنه تعالى أخبر بأن العصا صارت ثعبانا فى الخلقة، وعظم الجسم، وكانت مع ذلك كأحد الجن فى هول المنظر والإفزاع، فكأن وجه الشبه المختلف قد كان سبب ما يظهر من الاختلاف، وقد يجوز أن تكون العصا قد ظهرت أولا بصفة الجان ثم انقلبت إلى صفة الثعبان وهو رأى رابع ساقه المرتضى، وأعقبه بأن هذا التأويل يجعل الحكم متفقا فى الاثنين، وهو ما يبطل اعتراض المعترض. على هذا النحو من التفريع والتشقيق وتوهم الاعتراض ثم الإجابة عليه بعدة وجوه، سار الشريف المرتضى فيما تعرض له من تخريج الآيات الموهمة للاعتراض.
أما الشريف الرضى فى كتبه البيانية فقد خالف هذا المنحى فلا تهمه أن يتتبع الردود لينقضها، بل يهمه الشرح البيانى المشرق لآيات الإعجاز القرآنى، وقد يرد على قول سابق دون أن يشير إلى اسم صاحبه. ولكنه يقول فى اقتضاب: «فبطل قول من قال»، وقد تعقب الرمانى فى آيات كثيرة، وأبدى ما يخالف وجهة نظره، وهذا فى أدب النقد الملتزم دون تجريح نعهده لدى بعض الدارسين.
كما أن الشريف الرضى قد تتبع فى كتابه (تلخيص البيان فى مجاز القرآن) سور الكتاب العزيز، سورة سورة، إلا بعض القصار التى خلت من صور البيان واعتمدت على الحجة المقنعة، والإلزام المفحم، وأضرب المثل لما عقب به على قول الله عز وجل: وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ (?).
قال: (?) هذه استعارة، والمراد بها أنهم تفرقوا فى الأهواء، واختلفوا فى الآراء، وتقسمتهم المذاهب، وتشعبت بهم الولائج، ومع ذلك فجميعهم راجع إلى الله سبحانه وتعالى على أحد وجهين: إما أن يكون ذلك